وهي من الصفات التي يعتبرها السلفية، ولا يكاد يخلو كتاب من كتبها من
ذكرها، ويعتبرون المؤول لها جهميا معطلا.
ومن أقوالهم في إثباتها ما ذكره ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذَا
لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ
قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ
يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
[البقرة: 14، 15] بعد أن ذكر الاختلاف في كونها صفة أم لا: (والصواب في ذلك من
القول والتأويل عندنا: أنَّ معنى الاستهزاء في كلام العرب: إظهار المستهزِيء
للمستَهْزَأ به من القول والفعل ما يرضيه ظاهراً، وهو بذلك من قِيِله وفعلِه به
مورثه مساءة باطناً، وكذلك معنى الخداع والسخرية والمكر .. وأما الذين زعمـوا أنَّ
قول الله تعالى ذكره (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) إنما هو على وجه الجواب، وأنه
لم يكن من الله استهزاء ولا مكر ولا خديعة ؛ فنافون عن الله عَزَّ وجَلَّ ما قد
أثبته الله عَزَّ وجَلَّ لنفسه وأوجبه لها، وسواءٌ قال قائل: لم يكن من الله جل
ذكره استهزاء ولا مكر ولا خديعة ولا سخرية بمن أخبر أنه يستهزئ ويسخر ويمكر به، أو
قال: لم يخسف الله بمن أخبر أنه خسف به من الأمم ولم يغرق من أخبر أنه أغرقه منهم،
ويقال لقائل ذلك: إنَّ الله جل ثناؤه أخبرنا أنه مكر بقوم مضوا قبلنا لم نرهم، وأخبرنا
عن آخرين أنه خسف بهم، وعن آخرين أنه أغرقهم، فصدقنا الله تعالى فيما ذكره فيما
أخبرنا به من ذلك، ولم نفرق بين شيء منه؛ فما برهانك على تفريقك ما فرقت بينه
بزعمك أنه قد أغرق وخسف بمن أخبر أنه أغرقه وخسف