ثم ذكر العلة
التي يستند إليها العقل السلفي في قبول المتناقضات، وهي اعتقاده بقصور العقول عن
التوفيق بينها، فقال: (ولعلَّ سائلا يسأل عن السبب الذي دفع الغزالي إلى هذه
المواقف من السنَّة ومن أهلها، فأعتقد أن مرد ذلك إلى قصور إدراكه لمعانيها فيخيل
لـه هذا القصور في كثير من الأحاديث أنها تعارض القرآن أو تصادم العقل وقد يكون
هذا العقل جهميا أو معتزليا أو مستشرقا أوروبيا، ثم لا تسمح له نفسه بمراجعة أقوال أهل الاختصاص من
أئمة الحديث وجهابذة النقاد الذين استطاعوا بما آتاهم الله من فقه وعقول وملكات
وعلم راسخ أن يوفّقوا بين الأحاديث والآيات أو الأحاديث والأحاديث التي يظهر
للمتسرعين أن بينها شيئا من التعارض فتوَّلد لـه من هذا أو ذاك شعور بالضيق
والكراهية لكثير من الأحاديث التي لا تحلو لـه) [2]
ثم يدقق أكثر
في العلة التي جعلت الغزالي يتحول إلى عدو من أعداء السنة، وهي أنه لم يذهب إلى
السلف وأهل الحديث، لأنهم هم الحجة عند كل نزاع، يقول في ذلك: (فإذا أراد أن يشفي
غيظه لا يذهب إلى كتب الموضوعات وكتب العلل التي بذل فطاحل الحديث وجهابذته جهودا
عظيمة في نقدها من جهة الأسانيد والمتون، ثم
قاموا بتمييزها في كتب خاصَّة، فيأخذ ما يريده منها ويروي منها ظمأه، بل يذهب إلى أغلى
وأجلِّ ما عند المسلمين من تراث سيد المرسلين k ألا وهو دواوين السنَّة المشرفة وعلى
رأسها الصحيحان اللذان تلقتهما الأمة بالقبول والحفاوة والإجلال وقالوا فيهما بحق
إنهما أصح الكتب بعد كتاب الله،
فيختار منها ما لا يوافق منهجه
المرتجل فيوسعه طعنا وتشويها وسخرية، كما يصب على المتمسكين بها وابلا من الشتائم
والسخرية والتحقير)
[1]
كشف موقف الغزالي من السنَّة وأهلها ونقد بعض آرائه ( ص4-6 )
[2]
كشف موقف الغزالي من السنَّة وأهلها ونقد بعض آرائه ( ص4-6 )
نام کتاب : هکذا يفکر العقل السلفي نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 301