التفت القاضي
إلي، وقال: ما تقول؟.. هل صحيح ما ذكره؟
قلت: أجل
سيدي القاضي.. وقد ذكره في مواضع كثيرة من كتبه، وفصل فيه تفصيلا طويلا.. بل إني
رأيت في كتابه (الفتاوى الكبرى) دفاعه عن وقوع الشرك من رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بعد البعثة، فقد قال: (وهذه العصمة الثابتة
للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة؛ فإن النبي هو المنبئ عن الله،
والرسول هو الذي أرسله الله تعالى، وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا، والعصمة فيما
يبلغونه عن الله ثابتة فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين.. ولكن هل يصدر ما
يستدركه الله فينسخ ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته؟ هذا فيه قولان. والمأثور عن
السلف يوافق القرآن بذلك. والذين منعوا ذلك من المتأخرين طعنوا فيما ينقل من
الزيادة في سورة النجم بقوله: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى، وقالوا: إن
هذا لم يثبت، ومن علم أنه ثبت: قال هذا ألقاه الشيطان في مسامعهم ولم يلفظ به
الرسول. ولكن السؤال وارد على هذا التقدير أيضا. وقالوا في قوله: ﴿إلا إذا
تمنى ألقى الشيطان في أمنيته﴾ [الحج: 52] هو حديث النفس. وأما الذين قرروا
ما نقل عن السلف فقالوا هذا منقول نقلا ثابتا لا يمكن القدح فيه والقرآن يدل عليه
بقوله: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في
أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم﴾
[الحج: 52] ﴿ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية
قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد - وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك
فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم﴾
[الحج: 53 - 54]. فقالوا الآثار في تفسير هذه الآية معروفة ثابتة في كتب
[1]
اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/ 63)
نام کتاب : شيخ الإسلام في قفص الاتهام نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 228