المسلمين مع ما يحملونه في دينهم عن الله من تشويه، ومع ذلك لم يقطع
الصلة بهم، بل لم يقطعها حتى بعد رفضهم لتلك الدعوة، فليس في النصوص القرآنية أي
دعوة لقطع العلاقة مع أي دين من الأديان، أو شعب من الشعوب إلا مع المحاربين الذين
يأبون الحديث إلا بلغة السيف.
هذه بعض الأمثلة عن دعوة القرآن الكريم
للتقارب مع البشر جميعا بمختلف أديانهم وطوائفهم وأعراقهم.. لكن المسلمين بسبب
ابتعادهم عن المنهج القرآني، وعن التربية النبوية السامية جلسوا في أبراج الكبر
العاجية، ووضعوا المسافات الهائلة بينهم وبين الأمم المختلفة، حتى تجرأوا فصنفوا
الدار التي يسكنون فيها [دار إسلام] يأمن ساكنها في الدنيا، ويسعد في الآخرة، أما
دور غيرهم، فسموها [دار حرب] تباح لهم أموالها ودماؤها وأعراضها، ثم يصلى أهلها
بعدها نار جهنم وبئس المصير.
وليت الأمر اقتصر على ذلك، بل ضاق هؤلاء
ذرعا بأنفسهم، وبالمسلمين من حولهم، فراحوا يصنفونهم إلى طبقات مختلفة، لا تقل
سوءا عن الطبقات التي وضعها رجال الدين الهندوسي لمجتمعاتهم وأتباع دينهم..
ولم يكتفوا بذلك، بل وضعوا الجدر التي
تحمي كل طبقة عن التواصل مع الطبقات الأخرى، ووضعوا تهمة جديدة في تجريح كل عالم
يحمل نفسا إنسانية وروحا قرآنية تجعل صدره يتسع لكل مخالف، وتجعل جسده لا ينفر من
الجلوس والحوار والتقارب مع أي بشر كان، لا يهمه دينه ولا عرقه ولا مذهبه.
وقد طالت هذه التهمة كل من يحمل تلك
النفس الإنسانية، حتى لو كان علما من أعلام الأمة الكبار من أمثال الشيخ محمد أبي
زهرة وشيخ الأزهر محمود شلتوت والمفسر الكبير مصطفى المراغي والداعية المجدد
الكبير الشيخ محمد الغزالي، وغيرهم كثير، والذين صارت إنسانيتهم وقرآنيتهم التي
جعلتهم يتواصلون مع إخوانهم