من عجائب التناقضات التي وقعت فيها هذه
الأمة، ووقع فيها خصوصا فقهاؤها، وخصوصا الكثير من المعاصرين منهم تلك العنجهية
التي يواجهون بها طائفة محترمة من الدين، ومذهبا له جذوره التاريخية التي تمتد إلى
العصر الأول، ومدرسة لها علماؤها وفقهاؤها الكبار الذين لا يقلون فقها وعلما
ودراية عن غيرهم من علماء المدارس الإسلامية، في نفس الوقت الذين يقبلون أقوالا
فقهية ضعيفة، بل شاذة، ويقبلون أعلاما نطقوا بطامات لا تتعلق بالموقف من الصحابة
فقط، بل بالموقف من الله تعالى، والموقف من رسله والقطعيات من دينه.. وهذا عجب
عجاب.
فعكرمة مثلا، نجد كل الفقهاء بمن فيهم
المعاصرون منهم، يثنون عليه، ويقبلون حديثه، ويقبلون أقواله في تفسير القرآن، ويقبلون
آراءه الفقهية، ويضعونه ضمن المعتبرين في الإجماع، مع ما اتهم به من الكذب، فقد
روي عن ابن عمر أنه قال لنافع لا تكذب عليَّ كما كذب عكرمة على ابن عباس.. وذكر عن
جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد، قال: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس
وعكرمة مقيد، فقلت: ما لهذا؟ قال: إنه يكذب على أبي [1].
وليس ذلك فقط، بل كان ـ كما يذكر الكثير
من المؤرخين ـ يرى رأي المتشددين من الخوراج، والذين يحكم عليهم هؤلاء العلماء
بأنهم كلاب أهل النار.. فقد قال ابن حجر في (مقدمة فتح الباري): (وفد عكرمة على
نجدة الحروري فأقام عنده تسعة أشهر ثم رجع إلى ابن عباس فسلم عليه، فقال: قد جاء
الخبيث قال: فكان يحدث برأي نجدة، وكان يعني نجدة أول من أحدث رأي الصفرية وقال
الجوزجاني قلت لأحمد بن حنبل