لقد أمضيت
سبع ساعات كاملة أتفرج على تلك الأقراص المضغوطة - وأنا أحمل قلمي ودفتري - بحثا
عن فكرة واحدة أنتجها ذلك العقل العجيب، لعلي أطلع بها طلبتي وفاء بوعدي، فلم أجد،
ولا نصف فكرة.
فقد كان ذلك
العقل العجيب في كل تلك اللقاءات التي عقدت له لا يستعمل سوى ذاكرته القوية
العجيبة التي انبهرت لها الجماهير..
حتى أنه كان
في ذكره للأحاديث لا يكتفي بأن يذكر نص الحديث بحروفه، بل يضم إليه ذكر من خرجه من
المحدثين، وذكر سنده، وأحوال الرواة، وما قال فيهم علماء الجرح والتعديل، والاتصال
والانقطاع.. ونحو ذلك، وكأنه يقرأ من كتاب..
ولذلك يمضي
مع كل حديث يرويه ما يقارب ربع الحصة التي عقدت له..
أما ربعها
الثاني، فيذكر فيه كلام إسحق بن راهوية وسفيان الثوري والبربهاري وابن بطة وابن
بطال وغيرهم ليشرح به الحديث، أو ليؤكده، أو ليذكر فيه من المعاني الجديدة ما لم
يتطرق له.
أما ربعها
الثالث، فكان يذكر فيه ما يحفظه من قصائد السلف والخلف برنة جميلة تهتز لها العقول
والقلوب.. فقد وهب مع الذاكرة العجيبة صوتا جميلا حول به نونية القحطاني ونونية
ابن القيم إلى أغنية جميلة، وسمفونية لذيذة.
وأما ربعها
الرابع، فكان يخصصه لتلك الخطب الراقية التي يحفظها هي الأخرى، والممتلئة بأنواع
الاستعارات والكنايات والمحسنات البديعية.. وكان يرددها بسرعة وبصوت جهوري تمتلئ
له لذة وطربا، ولو لم تفهم منه حرفا واحدا.
هكذا كانت كل
حصصه تمضي.. فلا يشعر المستمع لها بأي سآمة وملل.. بل يظل فاغرا فاه منبهرا به إلى
آخر لحظة..
وهكذا مضت
سبع ساعات قضيتها في الاستماع إليه.. لكن دفتري ظل فارغا لم