وأحب أن أذكر
لكم فقط، وخصوصا لمن عاشوا مرحلة طويلة من أعمارهم مثلي في عالم الأوراق بألا
يقلقوا أو ينزعجوا أو يظنوا أنهم خسروا عالم الأذواق بصحبتهم لعالم الأوراق..
فعالم
الأذواق يتقبلهم بشرط واحد.. وهو أن يخمدوا ذلك الكبرياء الذي أنشأه فيهم عالم
الأوراق، فتصوروا أنفسهم قد تميزوا عن غيرهم بتلك العلوم التي حفظوها، أو الفنون
التي اكتسبوها.. عندها فقط يمكنهم أن يتحولوا من عالم الأوراق إلى عالم الأذواق،
أو يمكنهم أن يجمعوا بينهما.
ومن القصص في
ذلك ما روي عن الششتري أنه كان وزيرا وعالما، وأبوه كان أميرا، وقد عاش فترة طويلة
من عمره بصحبة عالم الأوراق إلى أن حنت نفسه لعالم الأذواق، فراح إلى شيخ من
المشايخ، فذكر له ذلك، فلاحظ فيه الشيخ تلك الكبرياء التي تنشئها الأوراق في
أصحابها، فقال له: لن تنال شيئا مما تصبو إليه حتى تبيع متاعك، وتلبس عباءة، وتأخذ
دفا، وتدخل به إلى السوق، وتغني للناس..
لم يجد
الششتري ـ الذي كان مستعدا لحرق كل كتبه من أجل كأس واحدة من عالم الأذواق ـ إلا
أن يفعل ما طلبه الشيخ.. فراح في السوق ينادي ويغني ويضرب الدف..
لكنه فوجئ
بلسانه ينطلق بشعر المحبة الإلهية النابع من نهر كانت الأوراق الكثيرة التي قرأها
وكتبها قد سدت منافذه..
قد يضحك
الكثير من أصحاب الأوراق على هذه القصة، وعلى من يطرح مثل هذه الأفكار.. ولذلك لكم
أن تتجاوزوها.. ولكم أن تعتبروني لم أقصها عليكم.. أو تعتبروها فلتة لسان أو فلتة
قلم.. ولكن اسمعوا أو اقرأوا بقلوبكم وعقولكم القصة التي سأحكيها لكم.. والتي ربما
تكون أقرب إلى عقولكم من قصة الششتري وشيخه.