قال آخر:
أذكر جيدا أول يوم دخلت عليه فيه.. لقد عرف علتي بمجرد أن رآني، فقال: عندما تنزع
بيديك الغشاوة من عينيك ستبصر الحقيقة أقرب إليك منك.. ولن تحتاج حينها لفيلسوف
ولا لمتكلم.. ثم أخذ يردد علي تلك الحكمة التي جعلتها شعار حياتي: (كيف يشرق قلب
صور الأكوان منطبعة في مرآته، أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته، أم كيف يطمع
أن يدخل حضرة الله، وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته، أم كيف يرجو أن يفهم دقائق
الأسرار وهو لم يتب من هفواته)
قال آخر: لقد
كان قلبي قبل الالتقاء به خاليا من كل المشاعر.. وكنت قاسيا عتلا غليظا.. وكنت
أذيق من حولي كل ما تنتجه نفسي وقلبي من أصناف الضغائن إلى أن سقاني تلك الكأس
الطاهرة من شراب المحبة.. وأنا منذ منذ ذلك الحين أشعر بالكون كله في حفلة تسبيح
عظيمة..
قال آخر: إن
الذي رغبني في صحبته هو أنني أنسى عند الدخول إليه كل تلك الثروات التي جمعتها..
والتي لا يحترمني الناس إلا بسببها.. أما هو فلم يكن يلتفت لها.. بل إنني عندما
عرضت عليه أن يأخذ من أموالي ما شاء ابتسم، وقال: الحياة أعظم من أن نضيعها في عد
النقود.. الحياة فرصة لأن نتزود للأبد.. فاملأ خزائن قلبك بالحقائق والأذواق، لا
بالفضة والذهب.. فالفضة والذهب يزولان، أما الحقائق والأذواق فهي التي تنفعك في
تلك الرحلة الأبدية.
قال آخر:
وأنا مثلكم.. فلولا صحبتي له لكنت الآن مع أولئك الدمويين الذين يخربون أوطانهم،
ويشعلون نيران الفتن فيها.. لقد عرضت علي حينها مبالغ كبيرة لأسخر القناة الفضائية
التي أملكها على التحريض على الفتنة.. لكني عندما قصدته، وقبل أن أستشيره في أي
شيء، أخذ يحدثني عن السلام والمحبة، وأنه لا يمكن أن يحصل