ولا أحد يذكر
زنيرة[1] تلك الجارية المستضعفة التي كانت يتداول
المشركون على تعذيبها بكل صنوف العذاب الحسي والمعنوي، حتى أن أحدهم كان يقول
ساخرا منها: ألا تعجبون لهؤلاء واتباعهم محمدا؟ فلو كان أمر محمد خير اً وحق اً ما
سبقونا إليه؟ أفسبقتنا زنيرة إلى رشد، وهي من ترون؟
ويذكر
المؤرخون أنها عذبت حتى عميت، فقال لها أبو جهل: إن اللات والعزى فعلتا بك ما
ترين، فقالت، وهي لا تبصره: وما تدري اللات والعزى، من يعبدهما ممن لا يعبدهما؟
ولكن هذا أمر من السماء، وربي قادر على أن يرد بصري، فأصبحت من تلك الليلة وقد رد
الله عليها بصرها، فقالت قريش: هذا من سحر محمد.
وبمناسبة
الحديث عن زنيرة.. فسأقص عليكم قصة ترتبط بها.. وترتبط بعدوتها اللدود هند زوج أبي
سفيان لنرى كيف نسيت الأمة زنيرة.. وكيف عظمت هندا.. أو كيف نسيت الضحية، في نفس
الوقت الذي كرمت فيه الجلاد.
وهذه القصة
ليست غريبة، بل ربما عشنا الكثير من أمثالها من حيث لا نشعر.. وهي تعبر تعبيرا
رمزيا وواقعيا عن تلك المقاييس المنتكسة التي صرنا نصور بها الحقائق، ونقوم بها
أهلها.
في ذلك اليوم
لاحظت إعلانا إشهاريا في الجامعة التي أعمل بها شدني إليه، فقد كان عن محاضرة
بعنوان [علو الهمة]، وهو من سلسلة محاضرات بعنوان [صناعة القيادة في الإسلام]
وبما أني في
ذلك الحين كنت أعيش انتكاسة في همتي، ودناءة في مطالبي، فقد عزمت على الحضور
إليها، ولم أكتف بذلك، بل رحت إلى طلبتي أحثهم على الحضور،