تزكية
أنفسهم، ونقلوا اسم التذكير إلى خرافاتهم، وذهلوا عن طريق الذكر المحمود، واشتغلوا
بالقصص التي تتطرق إليها الاختلافات والزيادة والنقص، وتخرج عن القصص الواردة في
القرآن وتزيد عليها، فإن من القصص ما ينفع سماعه، ومنها ما يضر وإن كان صدقا. ومن
فتح ذلك الباب على نفسه اختلط عليه الصدق بالكذب، والنافع بالضار، فمن هذا نهى عنه)[1]
وضرب مثالا
على التذكير الصحيح النافع بقصة شقيق البلخي مع تلميذه حاتم الأصم، حيث سأله، فقال:
منذ كم صحبتني؟ قال حاتم: منذ ثلاث وثلاثين سنة. قال: فما تعلمت مني في هذه المدة؟
قال: ثماني مسائل. قال شقيق له: إنّا للَّه وإنا إليه راجعون، ذهب عمري معك ولم
تتعلم إلا ثماني مسائل! قال: يا أستاذ لم أتعلم غيرها، وإنى لا أحب أن أكذب.. فقال:
هات هذه الثماني مسائل حتى أسمعها قال حاتم: نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد يحب
محبوبا فهو مع محبوبه إلى القبر فإذا وصل إلى القبر فارقه، فجعلت الحسنات محبوبي،
فإذا دخلت القبر دخل محبوبي معي، فقال: أحسنت يا حاتم، فما الثانية؟ فقال: نظرت في
قول الله عز وجل: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى
(40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ
هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات:40-41]، فعلمت أن قوله سبحانه هو الحق، فأجهدت
نفسي في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله تعالى ..)[2]
وهكذا راح
يعدد له ما استفاده منه فترة صحبته الطويلة له.. وهي كلها معان عملية أخلاقية تتفق
مع الأهداف القرآنية التي ترمي إلى صياغة الشخصية المسلمة في أوج نبلها وطهرها
وصفائها.