لكن الشيطان ـ
مع كل تلك التحذيرات ـ استطاع أن يقحم نفسه في كل المعارف الدينية ابتداء من تفسير
القرآن، والحديث، والفقه والعقيدة وكل العلوم الإسلامية الممتلئة بالفضول الذي
لاحاجة له.
وبسبب ذلك
تضخم تراثنا، وأصبح بحاجة إلى مختصين في كل جانب من الجوانب، مع أن الأمر لو ظل
على صفائه الأول، ما كان يحتاج إلى كل ذلك الكم الكبير من الأسفار.. فالدين بسيط
سهل واضح لا يحتاج إلى كثرة التفاصيل.
وأحب هنا ـ من
باب المثال لا الحصر ـ أن أذكر نموذجا عن مسلك من مسالك الشيطان في إرضاء الفضول
المعرفي للمسلمين الذين لم يكتفوا بالقرآن، ولا الحديث، ولا حتى الإسرائيليات،
وإنما راحوا إلى ما يسمونه الكشف والإلهام، ليكتشفوا من الأسرار ما لم يدونه
السابقون، ولا اللاحقون.
وهذا النموذج
هو عن شخصية من المتأخرين، تعلمت علوم الشريعة، لكنها لم ترض نهمها، ولا فضولها،
فراحت لشيخ أمي يدعي الكشف والشهود والتعرف على حقائق الوجود، لتجلس إليه، وتسجل
ما يفتريه من معارف، لتصبح تلك الافتراءات بعدها عقائد يعتقدها الناس، ولا دليل
عليها إلا ما ذكره ذلك الشيخ المكاشف الملهم.
فمن الأسئلة
التي سأله عنها سؤاله عن الثلج، وكيف يتشكل، فأجابه شيخه الملهم بقوله: (إن الثلج
ماء عقدته الرياح، وأصله غالبا من ماء البحر المحيط، وماء البحر المحيط مخصوص
بثلاث خصال لا توجد في غيره: البرودة إلى النهاية لمجاورته للرياح ولبعده من حر
الشمس، ولذلك ينعقد بأدنى سبب؛ والصفاء إلى النهاية لأنه ماء باق على أصل خلقته لم
يمتزج بشيء من جواهر الأرض، فإنه بحر محمول على القدرة الأزلية وليس هو على الأرض
ولا على شيء؛ والبعد إلى النهاية فإن المسافة التي بيننا وبينه في