اجتهد فأخطأ برأي أو بوجهة نظر، ولم يسفك
قطرة دم واحدة.
أما عدم
تناسب موقفهم مع السماحة التي يزعمونها لأنفسهم، فهو أنه من مقتضيات الأخلاق
العموم.. فالذي يصدق مع صديقه، ولا يصدق مع غيره لا يسمى صادقا، بل قد يسمى
منافقا.. والذي يتسامح مع قوم، ويتشدد مع آخرين لا يسمى متسامحا، بل يسمى محابيا
ومطففا وصاحب شهادة زور.
ولذلك، فإن من
العجائب أن هؤلاء الذين نسمعهم الآن يكفرون ويبدعون ويصرخون في وجه كل من يدعو
لنفي الدجل عن الدين، وتحرير التراث من العفن، وتحرير عقل المسلم من القيود التي
قعدت به عن كل مكرمة..
هؤلاء الذين
يفعلون ذلك، هم الذين يبتسمون بكل هدوء عندما تخبرهم أن عدد قتلى يوم صفين كانوا ـ
كما يذكر المؤرخون ـ مائة وعشرة آلاف، وفيهم كبار الصحابة والتابعين.. وعدد قتلى معركة
الجمل يتراوح ما بين ستة آلاف وخمسة وعشرين ألفا.
ثم يجيبك بكل
هدوء: لا بأس .. ليس في ذلك شيء .. هذا مجرد اجتهاد خاطئ.. والله رحيم بعباده..
وقد غفر الله للجميع، بل إنه أعطى المخطئين أجورا على خطئهم.. وتلك دماء طهر الله
منها أيدينا، فلنطهر منها ألسنتنا.
فإذا قلت له:
فما تقول في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا
فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ
وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء:93]، فالله قد توعد القاتل بكل
هذه العقوبات الشديدة إذا قتل مؤمنا واحدا، فكيف بمن تسبب في قتل الآلاف؟
قال لك بكل
برودة وهدوء: ذاك في القاتل الذي لم يجتهد.. أما القاتل الذي اجتهد وأخطأ فستبدل
سيئاته حسنات.. ألا تقرأ القرآن؟
فإذا قلت له:
إذن يمكن لأي شخص أن يفعل ذلك.. ويجتهد في أن يجد أي مثلبة