من أخطر أنواع
الكذب على الذات، أو خداعها، توهم أن الموقف السليم في الاختبارات التي يضعنا الله
فيها موقف الحياد.. لأنه موقف متناقض تماما مع القيم الإلهية التي كلفنا بأن
نحياها، وأن نربي أنفسنا عليها، لنلقى الله وليس فينا ذرة من غيره.
ذلك أن
المحايد يريد رضى الطرفين، وينسى أن الله تعالى كلفه بأن يقف مع صاحب الحق لنصرته،
وضد صاحب الباطل لمواجهته أو الرد عليه، وليس هناك مسافة رمادية لا حق فيها ولا
باطل.. كما قال تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى
فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ الله فَإِن فَاءتْ
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ الله يُحِبُّ
الْمُقْسِطِين﴾ [الحجرات:9]
وعند التحليل
النفسي لهؤلاء الذين يتصورون أنهم على الحياد، نجدهم يكذبون على أنفسهم، ذلك أنهم
رأوا الباطل في صفهم، وفي صف من جعلوهم أندادا من دون الله، فلذلك، بدل أن يختاروا
مواجهتهم ـ كما تقتضي الأوامر القرآنية ـ راحوا يتخلون عن مبادئهم، فيسكتوا عن
باطلهم، بحجة طيبتهم، وصفاء سريرتهم، وأنهم لا يحملون حقدا على أحد.
مثلما يعبرون
عما حصل في صدر الإسلام من انقلاب الفئة الباغية على الإمام الحق الإمام علي،
فيقولون عند ذكر ذلك التاريخ: (تلك دماء طهر الله منها أيدينا، أفلا نطهر منها
ألسنتنا).. وكذبوا في ذلك لأننا مطالبون بأن نقف مع الحق في أي زمان كان.. فالله
يسألنا عن مواقفنا كما يسألنا عن صلواتنا وعباداتنا.
وهؤلاء ـ
بفعلهم هذا ـ ينسون أن من سكت عن الباطل شيطان أخرس.. وأن من