به، ثم تحققوا في العمل فجمعوا بين العلم
والحقيقة والعمل)[1]
وهو وصف دقيق
لأولئك الذين راحوا يقرؤون كتب ابن عربي أو الجيلي أو القونوي أو غيرهم من
الصوفية.. وتصوروا أنهم بقراءتهم لها صاروا محققين، بل أولياء وصديقين، من غير أن
يجهدوا أنفسهم لا برياضة ولا بسلوك ولا بمجاهدة ولا بذكر ولا بخلوة، ولا بأي شيء
مما كان يمارسه الصوفية الصادقون المحققون.
وليتهم
اكتفوا بذلك، بل راحوا إلى أعلام الصوفية الكبار أمثال أبي حامد الغزالي يسخرون
منه، وينتقصون من قدره.. ويقولون عنه: (من دلك على العمل فقد غشك.. ومن دلك على
الله، فقد نصحك)
ولم يكتفوا
بهذا، بل راحوا يرطنون بالشطحات، يفسرون بها القرآن، ويخرجون بها عن ظواهره
الواضحة القطعية.. كما وصفهم بذلك، وبدقة الغزالي، عند حديثه عن الشطح، فقال: (وهذا
فن من الكلام عظيم ضرره في العوام، حتى ترك جماعة من أهل الفلاحة فلاحتهم، وأظهروا
مثل هذه الدعاوي، فان هذا الكلام يستلذه الطبع، إذ فيه البطالة من الأعمال مع
تزكية النفس بدرك المقامات والأحوال، فلا تعجز الأغبياء عن دعوى ذلك لأنفسهم، ولا
عن تلقف كلمات مخبطة مزخرفة)[2]
بل إنه أشار
إلى اللغة المستكبرة التي يستعملها هؤلاء مع من ينتقدهم، أو ينصحهم، فقال: (ومهما
أنكر عليهم ذلك لم يعجزوا عن أن يقولوا: هذا إنكار مصدره العلم والجدل، والعلم
حجاب، والجدل عمل النفس. وهذا الحديث لا يلوح إلا من الباطن بمكاشفة نور الحق)
ثم ذكر
الغزالي مدى انتشار هذه الظاهرة في عصره، فقال: (فهذا ومثله مما قد