فيها تخويف،
أصغوا إليها مسامع قلوبهم، وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم، فهم حانون
على أوساطهم، مفترشون لجباههم وأكفهم وركبهم، وأطراف أقدامهم، يطلبون إلى الله
تعالى في فكاك رقابهم... قد براهم الخوف بري القداح، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم
مرضى، وما بالقوم من مرض، ويقول: لقد خولطوا ولقد خالطهم أمر عظيم لا يرضون من
أعمالهم القليل، ولا يستكثرون الكثير. فهم لأنفسهم متهمون، ومن أعمالهم مشفقون...
فمن علامة أحدهم... يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل... يبيت حذرا ويصبح فرحا،
حذرا لما حذرا من الغفلة، وفرحا لما أصاب من الفضل والرحمة)[1]
وليس ذلك
خاصا بحديثه مع عامة الناس، كما قد يؤوله أمثال هؤلاء.. بل كان مع نفسه.. ومع
مناجياته وأدعيته لربه.. فأشهر أدعيته ذلك الذي نقله كميل نجده مملوءا بذكر النار،
وخشية الله، ودعاء الله، والتضرع إلى الله.. وليس فيه أي حرف من تلك الطامات التي
يجاهر بها من يريدون تخطي رقاب الصديقين.