فالذي عاش
حياته كلها محبا لرسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) ذابا عن دينه،
حريصا على قيمه.. لكنه ـ كبشر يخطئ ويصيب ـ يقع في بعض الخطايا والهفوات.. التي
يحتاج أن يطهر منها.. والتي يستحق العقوبة بسببها.. وهنا تكون الشفاعة.. لا
الشفاعة المطلقة.
وهي تشبه في
ذلك ذلك التلميذ الذي لا يحول بينه وبين النجاح إلا بعض النقاط القليلة، وحينها قد
يتدخل بعض الأساتذة لإنقاذه، فيشفع له، ويزكيه.. لأخلاقه أولا.. ولكون تقصيره
محدودا ثانيا.
وهذا المعنى
هو الذي أشار إليه رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) في الحديث الذي
رواه ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أبيت مع رسول الله، فآتيه بوضوئه وبحاجته،
فقال لي: اسألني، فقلت: إني أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك، قلت: هو
ذاك، قال: (فأعني على نفسك بكثرة السجود)[1]
فالنبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) طلب أن يعينه على نفسه لتتحقق شفاعته له بمرافقته
في الجنة.. فالشفاعة تقتضي الجانبين جميعا الشافع والمشفوع.. بالإضافة إلى أن هذا
الرجل لم يطلب شفاعة رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)
بمرافقته في الجنة إلا لحبه الشديد له.. فهو لم يطلب الجنة بذاتها، وإنما طلب
مرافقة رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) فيها.
وهكذا ورد في
الحديث (يا معشر قريش اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف،
لا أغني عنكم من الله شيئا. يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئا. ويا
صفية عمة رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)، لا أغني عنك من
الله شيئا. ويا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا)[2]
ولست أدري
كيف يجتمع في العقول هذه الأحاديث المتوافقة مع القرآن، مع تلك
[1] رواه مسلم (2/52) (489)، وأبو داود
رقم (1320) ، و النسائي 2 / 227.