نام کتاب : التنويريون والصراع مع المقدسات نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 159
وتنطق بها قبل
ذلك ملامح وجوههم عندما يسمعون المؤمن يتحدث عن عوالم الغيب، ويعطيها قيمة كبيرة
في حياته.. لأنهم يريدون منه أن يعيش عالم الشهادة لا عالم الغيب، وكأن عالم الغيب
يحول بينه وبين عالم الشهادة، وكأن الله تعالى لم يثن على المؤمنين الذين تركوا
لأجسادهم أن تعيش في عالم الشهادة بينما تحلق أرواحهم في عوالم الغيب الجميلة، كما
قال تعالى في أوائل أوصاف المؤمنين في سورة البقرة: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ
فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 2،
3]
فالإيمان بالغيب
هو الأساس الذي تنطلق منه حياة المؤمن، بل هو المعيار الذي يفرق بين الإنسان الكامل
الذي يعرف حقائق الوجود، ويطبق مستلزماتها، وبين ذلك الإنسان القاصر الناقص الكل
الذي لا يعرف من الحياة إلا جانبها الهزيل البسيط، ولذلك تكون همته بحسب المعارف
البسيطة التي يعيشها، ويتصور أنها البداية والنهاية.
ومن مسائل الغيب
التي نجد للتنويريين احتقارا كبيرا لها، بل حياء عظيما منها [الجنة] التي هي سلوة
المؤمن وعزاءه، كما أنها المحرك لهمته عندما تضعف نفسه، وتتخدر إرادته، حينها
يتذكر ما هيأه الله للصابرين من عظيم الجزاء؛ فترتد إليه قوته وإرادته، ويصبح
كالجبل الأشم الذي لا تحركه أعاصير الأهواء.
وهي فوق ذلك سلوة
المريض الذي يعلم أن الجنة دار الصحة الأبدية، وسلوة الفقير الذي يعلم أن الجنة هي
دار الغنى الأبدي، وسلوة المحرومين، والذين أرقتهم الحياة الدنيا لأنهم يعلمون أن
الجنة هي دار الراحة الأبدية..
ولذلك لم تكن
الجنة دار ضيافة إلهية في الآخرة فقط، بل هي أيضا ترياق
نام کتاب : التنويريون والصراع مع المقدسات نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 159