وهذا التوجه هو الذي يفرق بين العباد والعارفين، فهمة العابد مقصورة على العبادة
الظاهرة من صلاة وصيام وأذكار لا شغل له بغيرها، فهو يتردد بين فرائضها ونوافلها في
جميع أوقاته [2]، أما همة العارف فهي التوجه إلى الله تعالى ومراعاة الأنفاس في ذلك ونفي
الخواطر حتى لا يكون قلبه إلا مع الله، فسير الأول حسي وسير الثاني معنوي، ومطلوب الأول
الحسنات والدرجات ومطلوب الثاني معرفة الله.
وهذا هو الإخلاص الحقيقي الذي يراه الغزالي ـ كما يراه الصوفية جميعا ـ (أما
من يعمل لرجاء الجنة وخوف النار فهو مخلص بالإضافة إلى الحظوظ العاجلة، وإلا فهو في
طلب حظ البطن والفرج، وإنما المطلوب لذوي الألباب وجه الله تعالى فقط) [3]
و قد نقل الغزالي ـ هنا ـ حكم القاضي أبي بكر الباقلاني بتكفير من يدعي البراءة
من الحظوظ لأن ذلك من صفات الألوهية، وعقب على ذلك بقوله (وما ذكره حق،ولكن القوم إنما
أرادوا البراءة عما يسميه الناس حظوظا، وهو الشهوات الموصوفة في الجنة فقط، فأما التلذذ
بمجرد المعرفة والمناجاة والنظر إلى وجه الله تعالى فهذا حظ هؤلاء، ولا يعده الناس
حظا) [4]
بعد هذا، فإن القول الشائع بأن طريقة
الغزالي في السلوك تعتمد على المجاهدات