نام کتاب : الإصلاح الاجتماعي عند أبي حامد الغزالي نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 27
إلا بالتقوى، وكف النفس عن الهوى، وأن رأس ذلك كله قطع علاقة القلب عن الدنيا
بالتجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى،
وأن ذلك لا يتم إلا بالإعراض عن الجاه والمال، والهرب من الشواغل واللواحق)[1]
ولكنه لاحظ أحواله فوجدها منغمسة في العلائق، وقد أحدقت به من كل الجوانب،
ولاحظ أعماله، فإذا هو مقبل على علوم غير مهمة ولا نافعة في طريق الآخرة، وبحث في نيته
فوجدها غير خالصة لوجه الله تعالى، بل باعثها ومحركها طلب الجاه وانتشار الصيت.
ويصور لنا حاله في ذلك الحين
بقوله:(فتيقنت أني على شفا جرف هار ،وأني أشفيت على نار إن لم أشتغل بتلافي الأحوال)[2]
وبقي يتردد بين تجاذب شهوات الدنيا ودواعي الآخرة قريبا من ستة أشهر، وهو
حينذاك يقدم رجلا ويؤخر أخرى إلى أن أقفل على لسانه، وضعف عن التدريس.
لقد كان منادي الإيمان يناديه:
(الرحيل الرحيل، فلم يبق من العمر إلا القليل، وبين يديك السفر الطويل، وجميع ما أنت
فيه من العلم والعمل رياء وتخييل، فإن لم تستعد للآخرة الآن فمتى تستعد؟ وإن لم تقطع
هذه العلائق، فمتى تقطع؟)[3]
وهنا، ولما أحس بعجزه، وسقط بالكلية اختياره التجأ إلى الله تعالى، فسهل على
قلبه العزلة.
هذا هو السبب الذي ذكره الغزالي، ولا نرى فيه أي غرابة تجعلنا ننكره أو نحيد
عنه، فاعتزال أهل العلم أو السلطان عن الجاه وأسبابه طلبا للآخرة شيء عادي، ونماذجه
في التاريخ كثيرة.