و يستدل لذلك بفعل السلف ،فقد سأل رجل عمر عن آيتين متشابهتين في القرآن الكريم،
فعلاه بالدرة، قال الغزالي: (وكذلك فعل السلف كلهم) [2]
ومع قول الغزالي بجواز استعمال الشدة لكل المكلفين إلا أنه يرى أن السلاطين
أولى بذلك، يقول عند بيانه لعلاقة العلماء بالسلاطين: (العلماء أطباء، والسلاطين قوام
دار المرضى، فكل مريض لم يقبل العلاج بمداواة العالم يسلم إلى السلطان ليتصرف فيه كما
يسلم الطبيب المريض الذي لا يحتمي أو الذي غلب عليه الجنون إلى القيم ليقيده بالسلاسل
والأغلال، ويكف شره عن نفسه وعن سائر الناس)[3].
وهذا النص يبين المقصد الذي يراه الغزالي من استعمال الشدة، فهي علاج للداء،لا
عقاب لمريض؛ وهو يرجح بذلك كون الحدود الشرعية زواجر عن الإثم وتطبيب للآثم، لا انتقام
منه أو تشديد عليه.
هذه هي النواحي الثلاثة المكونة للجهد المثمر في نظر الغزالي، وهي بذلك تجمع
كل الوسائل الإصلاحية الممكنة، من كل أصناف الناس بدءا بالعامة وانتهاء بالعلماء والحكام.
ب ـالأسس الفكرية والعقدية المكونة
للمجتمع البديل:
إن كل مجتمع لابد أن يقوم على أسس فكرية
وعقدية تنبثق منها سلوكياته ومواقفه الاجتماعية، وبحسب تلك الأسس يكون تصنيفه، فالمجتمع
الإسلامي هو المجتمع القائم
[1]
القسطاس المستقيم، تحقيق فيكتور شلحت، ط2، بيروت: دار المشرق، ص90، 91.