إن هذه الآيات تصف المؤمنين، وهم يتسابقون لحفظ كتاب ربهم،
وهم مستبشرون بما أنزل عليهم، يبشر بعضهم بعضا به.. فهل ترى مثل هؤلاء سينسون ما
أنزل إليهم؟
لقد كان الوحي هو الروح التي أحيت العرب وغيرهم من
الأجناس.. أو كان هو المطر الذي نزل على صحرائهم الميتة.. وهل يمكن للبدوي أن ينسى
الغيث الذي يأتيه بعد اليأس، أو الحياة التي تأتيه بعد الموت!؟
نظر إلي، فرآني ساكتا، فقال: لقد كان من أهم مزايا حفظ
القرآن أن محمدا كان في بيئة لم يكن فيها رجال دين.. كان كل من حوله عبيدا أو
تجارا أو عمالا بسطاء.. لقد كانت قلوبهم كالصفحات البيضاء التي تحفظ ما سجل عليها
نقيا صافيا، فلا تتصرف فيه، ولا تعبث به.
ولم يكتف محمد بهذه الأحوال النفسية الجميلة التي كان
يعيشها أصحابه، وهم يسمعون القرآن، بل كان يزيد في ترغيبهم في فضل حفظه ووعيه
وتدبره.. ليضمن أعظم حفظ له.
لقد كان يقول لهم:( مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع
السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ القرآن، وهو يتعاهده، وهو عليه شديد، فله
أجران )[1]
وكان يقول لهم:( يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ
واصعد، فيقرأ، ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه )[2]
ويبشرهم بأن حافظ القرآن سيكون شخصية مرموقة في الآخرة،
بحيث يشفع في أهله.. لقد قال:( من قرأ القرآن وحفظه أدخله الله الجنة، وشفعه في
عشرة من أهل بيته كلهم قد استوجب