أحيانا أشعر أنه كلام من الله المتعال.. وأحيانا أشعر أنه
كلام حكواتي فارغ يهتم بالتفاصيل التي لا حاجة لها..
أحيانا أشعر أنه كلام ينبع من منابع تمتلئ بالعنصرية
والحقد واللاإنسانية.. وأحيانا أشعر أنه كلام يفيض من منابع الرحمة والحنان
والإنسانية.
كنت أشعر بكل ذلك التناقض، وأنا أقرأ الكتاب المقدس على
كرسيي في الطائرة التي امتطيتها مع أخي، ونحن راحلان إلى الإسكندرية.
فجأة تحركت الطائرة حركة شديدة، حتى ظننا أننا سنسقط.. ثم
ازدادت حركتها شدة.. وازدادت قلوب الناس هلعا.. ولست أدري كيف سقط الكتاب المقدس
من يدي من حيث لا أشعر.. وكيف امتلأت من الرعب كما امتلأ سائر الناس.. لا فرق بين
صالحهم ومنحرفهم.
لكني التفت إلى الذي يجلس بجاني.. فإذا بي أراه ساكنا
هادئا مطئمنا، وكأن شيئا لم يحصل .. لقد بدا لي حينها في قمة قمم الجمال والكمال
والسلام والطمأنينة.
لا أخفيك أني – بمجرد أن زالت المخاوف – رحت أحاول أن ألتمس كل
السبل للتعرف عليه، وعلى سر هدوئه.
لكنه بادرني بذلك، وهو يسلم لي الكتاب المقدس الذي سقط من
يدي، ويقول: خذ الكتاب الذي كنت كنت تقرؤه فيه.. لقد سقط منك من حيث لا تشعر.
قلت: شكرا جزيلا .. إنه الكلمات المقدسة التي أنزلها الله
على أنبيائه.
قال: ولكني لا أرى آثارها عليك.
قلت: ما تقصد؟
قال: أكنت بالفعل تقرأ الرسالة التي أرسلها ربك لك؟
قلت: أجل.. لقد أرسلها لي كما أرسلها لجميع البشرية على
لسان أنبيائه.
قال: ولكني لم أر على وجهك أي علامة تدل على أن الذي تقرأ
كلامه هو الله.