بعد فترة لم تكن وجيزة جاءني صاحبي، فقلت مازحا: أهلا بالملك المتربع على عرشه.
ابتسم، وقال: ليس هناك ملك غيره.. كلنا وكلهم عبيد.
قلت: لقد جعلت من قصرك هذا قصرا ملكيا.
قال: حتى لا يحتقرني الملوك الذي استعبدوا الرعايا، أو استعبدتهم الرعايا.
لم أفهم ما كان يقصد، بل دخلت معه مباشرة في الموضوع، فقلت: جئتك لأجل أمر مهم أرجو أن لا تردني خائبا.
قال: وأرجو أن لا ترد نفسك خائبا.
قلت: كيف أرد نفسي خائبا؟
قال: إذا طلبت ما لا يمكن ترد نفسك خائبا.
قلت: لا.. بل هو ممكن سهل.. هو يصب في صميم اختصاصك.. ألست مترجما أديبا تنجذب الكلمات إلى قلمه ولسانه كما ينجذب الحديد إلى المغناطيس؟
قال: هم يقولون ذلك.. ولا يدرون المعاناة التي تعانيها روحي، وهي تبحث في قاموس عقلي عن الكلمات.
قلت: أتعلم خير ما يمكن أن توظف فيه تلك المعاناة؟
قال: أنبئني.. فلا خير في جهد يذهب إلى خير، ويترك ما فوقه.. أنا صاحب همة عالية لا أحب السفاسف، ولا أحب لكلماتي أن تقع على السفاسف.
قلت: ولذلك جئتك.. لقد تركت مترجمي الروايات وجئتك أنت لاحترامك للكلمات.
قال: لقد صدقت في بحثك، فأوصلك الذي يوصل الصادقين.
قلت: أنت تعرف أني رجل دين.. وأني زائر ببلدكم.. ولا شك أنك تعلم بالمشروع الذي يزمع أخي على تنفيذه.. ولم يجد ـ بعد تقليب النظر ـ غيرك يصلح له.
وهو يضع بين يديك ما تشاء من أموال، وما تشاء من مراجع، لتخرج لنا نسخة عربية من