قلت: ولكن القرآن ذكر تفاصيل لا أهمية لها فقد قال فيهم:{ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ
الشِّمَالِ}(الكهف: 18)، فهل ترى في ذكر تقليبهم أهم من ذكر أسمائهم أو بلدانهم؟
قال: أجل.. لأن أسماءهم لا تغنيك شيئا، بل قد تجعل من
قصتهم تاريخا لا محل للعبرة فيه.
قلت: وتقليبهم ذات اليمين وذات الشمال؟
قال: تفيدك معان شعورية عظيمة.. فالله الذي آوى إليه
هؤلاء، وتركوا بيوتهم وقصورهم، امتدت إليهم عناية الله، فجعلت تقلبهم ذات اليمين
وذات الشمال كل حين حتى لا تتقرح جنوبهم من
طول النوم على التراب.
ثم ذكرت ذلك منسوباً إلى الله، معبَّرة عنه بنون العَظَمَة
تشريفاً لهم.. وتشويقا لكل من ضحى تضحيتهم، فهل هنالك عناية أكثر من هذا؟
سكت قليلا، ثم قلت: ولكن المسلمين انشغلوا بذكر التفاصيل
المرتبطة بهذه القصة.
قال: المسلمون بشر.. وهم لا يختلفون عن الإسرائيليين تشوقا
للتفاصيل.. ولكنهم في أثناء بحثهم ذلك كانوا مخالفين للقرآن.. والقرآن لا يمثله
المسلمون.. ولا المفسرون.. القرآن تمثله حقائقه.. وألفاظه التي تحمل حقائقه.
قلت: والتفاسير؟
قال: تلك كتب منها ما اقترب من القرآن ومنها ما ابتعد.. هي
فهوم بشرية محدودة تأثرت ببيئاتها.. وربما تأثرت بكتبنا وأساطيرنا.. فلذلك لا يصح
أن نحكم على القرآن من خلال المفسرين.. القرآن يوضح ذاته بذاته..