قال: أجل.. ذلك أن القرآن يخاطب كل وجدان الإنسان وكل
غرائزه وطاقاته، وبما أن الحجب قد تحول بين العقل والتفكير السليم، بل قد يكذب
العقل من غير أن يمعن النظر، أويدقق الفكر بسبب سريان الغفلة واللامبالاة، فلهذا
احتاج إلى من ينبهه إلى خطورة المسألة وأنها تستدعي اهتماما كبيرا.. ولم يكن من
وسيلة لذلك غير هذه الوسيلة.
اسمع لما ورد في السورة من هذين المثالين، وهما يغنيانك عن
غيرها.. { أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ
مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ
(23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا
(25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ
شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (28)(المرسلات)
في هذه الآيات نجد { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)كررت مرتين، أما
الأولى فذكرت بعد ذكر خلق الإنسان، وأما الثانية، فبعد خلق الأرض، وقد فرق بين
الموضعين بهذه الآية لتجعل العقل يسيح متأملا كل مثال، ليعبر منه إلى التعرف على
الله.
النسخ:
قلت: وعيت هذا.. فهل هذا كل ما رأيت حذفه أو اختصاره من
الكتاب المقدس؟
قال: لا.. هناك ناحية أخرى مهمة جدا.. رأيت التقصير فيها
بليغا.
قلت: ما هي؟
قال: النسخ.
قلت: لا.. لم نر قومنا يقصرون في الحديث عنها.. إنها أمضى
سلاح نشهره في وجوه المسلمين.. فنحن نطعن في القرآن باعتباره ينسخ ما ورد في كتب
الأنبياء[1].. وكتب الأنبياء لا
[1] من عباراتهم التي يتداولونها في هذا
الباب قولهم:« القرآن وحده من دون سائر الكتب الدينية، يتميز بوجود الناسخ
والمنسوخ فيه، مع أن كلام الله الحقيقى لا يجوز فيه الناسخ والمنسوخ ؛ لأن الناسخ
والمنسوخ فى كلام الله هو ضد حكمته وصدقه وعلمه، فالإنسان القصير النظر هو الذى
يضع قوانين ويغيرها ويبدلها بحسب ما يبدو له من أحوال وظروف.. لكن الله يعلم بكل
شئ قبل حدوثه. فكيف يقال إن الله يغير كلامه ويبدله وينسخه ويزيله؟ ليس الله
إنساناً فيكذب، ولا ابن إنسان فيندم؟! »