حملت ملفاتي معي، وخرجت لأتركه على تلك الحال.. لم أملك أن
أقدم له أي شيء، ولا أن أظهر له أي عزاء.. لقد كان صادقا في إخلاصه للكتاب
المقدس.. لكن المسكين لم يجد في الكتاب المقدس ما يحفظ له ذلك الإخلاص..
ما سرت قليلا حتى رأيت الناس يحثون الخطا إلى الجهة التي
جئت منها.. التفت خلفي، فوجدت النيران تندلع من مكتبه.. أسرعت مع الجموع لأرى ما
حصل..
رأيت جمعا كثيرا من الناس يحاولون إطفاء النار بكل السبل..
ورأيت من جملتهم بعض الشباب من المسلمين بقتحمون النيران بشجاعة وتضحية، ثم يخرجون
به، وقد أصابته النيران، ولكن الإصابات لم تكن بالغة، فقد كان يفتح عينيه، ويعلم
ما يدور حوله.
اقتربت منه محاولا أن أقدم له أي شيء.. فلم يكن أحد من
الناس يعلم ما حصل له غيري.
ما اقتربت منه حتى سمعت صوت قارئ يجود القرآن بصوت رخيم،
وهو يقرأ قوله تعالى:{ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ
عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}(النساء:82)
ما سمعها صاحبي الموثق حتى صاح: بلى.. يا ربي.. لقد تدبرت
القرآن.. فلم أجد فيه أي اختلاف.. آمنت بك يا رب.. وآمنت بكتابك.. وآمنت بكلماتك
المقدسة التي شرفتنا بها.. وأعتذر إليك يا ربي من ذلك الكتاب الذي ملأني جنونا..
لقد حرفه الكذبة الذين حملوا أقلام الكتبة.. فاغفر لي يا ربي.. فها أنا ذا عائد
إليك.. مسلم لك.
كان الجمع الذي أنقذه يعلم أنه مسيحي، فلذلك لما سمعوا منه
هذا الكلام راحوا يكبرون، ولكن أحدا من الناس لم يكن يعلم سر قوله هذا غيري..
سرت بحيرة جديدة.. وأنا أغبط هذا الرجل الذي خلصته النيران
من توأمه الذي يحول بينه وبين شمس محمد..
مددت يدي إلى محفظتي لأستخرج بعض ما أحتاجه منها، فامتدت
يدي إلى الورقة التي سلمها لي صاحبك، فعدت أقرأ فيها..