قال: عندما يؤوب المسافر إلى مستقره، فإنه يختار دارا
صالحة ليعيش فيها طول عمره.. أليس كذلك؟.. أم تراه يكتفي بأي دار.. يعيش فيها، وهو
لا يرضى عنها.
قلت: قد يضطر إلى أن يعيش في دار لا يرضى عنها.
قال: وسيتألم بذلك طول عمره.
قلت: وقد يتعود.
قال: أنت تتحدث عن مضطر.. فلماذا لا تنزع الاضطرار، وتلبس
ثياب الغنى التي ألبستها.. العقل غني لأنه ممدود بنهر لا يجف.. فلماذا لا يرتضي من
السكنى إلا ما يصلح له، ويسعد به؟
قلت: ذلك صحيح.. فمن فتح الله عليه بفتوح المال لن يعيش
إلا سعيدا بمستقر صالح.
قال: ومن فتح عليه فتوح العقل كذلك.
قلت: وهل ترى هؤلاء الخلق الكثيرون ضيعوا مفاتيح عقولهم؟
قال: أكثرهم كذلك.. فلا تحزن عليهم..ولنبحث عن مفاتيح
عقولنا.. فقد جئت إليك لأجل هذا.
قلت: لم أفهم ما الذي تقصد.
أخرج من محفظته نسخة من الكتاب المقدس، وقال: جئت لنخضع
هذا الكتاب لموازين العقل.. لأنه لا يصح أن نسكن عقولنا بيوتا لا ترضاها.
قلت: أتريد أن تنتقد الكتاب المقدس الذي هو وحي وإلهام.
قال: نحن لا ننتقد الوحي والإلهام.. ولكنا نريد أن نبحث عن
الحقيقة.. قد يكون كثير مما في هذا الكتاب وحيا أو إلهاما صادقا.. ولكن الكثير منه
أيضا قد يكون هرطقات لبست لباس الوحي.. أو خرافات تزينت بزينة الإلهام.
قلت: فأنت تريد أن تنقي الكتاب المقدس مما يخالف العقل.