فلم يجرؤوا أن يفعلوا.. لقد بقي يطالبهم أكثر من عشرين سنة
بذلك، مظهراً لهم النكير، زارياً على أديانهم، مسفهاً آراءهم وأحلامهم.. ومع كل
ذلك لم يجرؤوا على الاقتراب منه..
نعم لقد نابذوه وناصبوه الحرب التي هلكت فيه النفوس،
وأريقت المهج، وقطعت الأرحام، وذهبت الأموال.. أترى أنهم لو كانوا قادرين على
مواجهته بكلام مثل كلامه كانوا يقصرون!؟
لقد كان القرآن يقول لهم متحديا:{ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا
وَلَنْ تَفْعَلُوا }(البقرة: 24)، انظر.. إنه تحد ليس فوقه تحد.. بل هو يضيف
فيطلب منهم أن يجتمعوا بإنسهم وجنهم على مواجهته، فيقول:{ قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ
لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}(الاسراء:88)
قلت: لقد كان لانشغالهم بمواجهته أثر في سكوتهم عن الرد
عليه.. أحيانا يجد الإنسان نفسه ـ تحت ضغط ظروف معينة ـ يتصرف بعيدا عن عقله.
قال: لا.. لقد كان قومه موصوفين برزانة الأحلام ووفارة
العقول، وقد كان فيهم الخطباء المصاقع، والشعراء المفلقون.. بل إن القرآن وصفهم
بالجدل واللدد، فقال:{ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ
خَصِمُونَ}(الزخرف: 58)، وقال:{ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ
الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً}(مريم:97)
قلت: أحيانا ينبغ رجل من الناس بين قومه.. ولن تجد أحدا
يستطيع مواجهته.. ألست ترى الملاكمين العالميين الذين يتهاوى الرجال أمامهم كما
يتهاوى البنيان؟
قال: أليس عجيبا أن ينهض رجل أمي عاش بينهم أربعين عاماً
لم يسمعوا منه بيتاً من الشعر، أو قولاً بليغاً، ليأتيهم بكلام يتحداهم به جميعا،
بجيمع شعرائهم وبلغائهم وعلمائهم من الإنس والجن لا في زمانه فحسب، بل في كل
الأزمنة؟
لقد احتاروا في سر تلك الجاذبية التي يجذبهم بها القرآن،
فراحوا يقولون:{ لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا