قلت: فأنت ترى أن سر إعجاز القرآن الذي يذكره المسلمون هو
تعبيره الذي حير البلغاء.
قال: لا.. هذا جزء من إعجازه.. إعجازه لا يمكن التعبير
عنه.
قلت: فكيف تسمي ما لا تستطيع التعبير عنه معجزا؟
قال: إن نواحي الإعجاز في القرآن أكثر من أن تحصرها
العبارة.. وما الإعجاز البلاغي إلا ناحية من نواحيه.
قلت: أنت تتلقى كل ذلك تقليدا.. فلست تذكر سوى ما ذكر لك.
قال: لا.. نعم أنا سائق.. ولكني ابن لهذه اللغة، محب لها
عشت أقرأ شعرها ونثرها، وأتنعم بقصصها ورواياتها، ولولا ذلك ما حدثتك بهذا.
قلت: فحدثني عما رفع القرآن إلى تلك الآفاق التي عجز عنها
سائر الكلام.
قال: أول شيء تتذوقه من القرآن هو تلك المعاني الجميلة
التي جاء بها، وكساها بثياب معجزة من البلاغة.
قلت: أي إعجاز في هذا.. إن من قدر على شيء يقدر على غيره.
قال: لا.. لا يمكن ذلك.. هل تراني ـ وأنا سائق الشاحنة ـ
قادرا على أن أسوق الطائرة؟
إن قدرات البلغاء محدودة.. سل الشعراء والبلغاء ليخبروك..
وإن شئت أن تتحدى أكبر الشعراء في أن يسوغ لك قوانين المرور في قصيدة فافعل،
فسيعجز عن ذلك لا محالة.
قلت: والقرآن؟
قال: لقد انتظم القرآن كل المعاني.. ومع ذلك لم يخل في
معنى من المعاني بما أودع فيه من أسرار الإعجاز..
لقد كانت بلاغة العرب ـ الذين هم قوم محمد ـ لا تعدو وصفا
لمشاهداتهم، مثل وصف بعير أو فرس أو جارية أو ملك أو ضربة أو طعنة أو حرب أو
غارة.. أو لغو كثير لأجل أمر حقير.. وليس