قلت: لست بحاجة إلى ذكر أمثلة لذلك،
فوجود الغريب فى القرآن من المشهور الذي لا شك فيه.. لقد ألف العلماء في هذا
الفن.. فالإمام محمد بن مسلم بن قتيبة وضع كتاباً فى (غريب القرآن)، وأورده على
وفق ما جاء فى سور القرآن سورة سورة.. ومثله فعل السجستانى، وتفسيره لغريب القرآن
مشهور، ومثلهما الراغب الأصفهانى فى كتابه (المفردات) فى شرح غريب القرآن.. ومثلهم
جميعا جلال الدين السيوطى، الذي له كتاب يحمل اسم (مبهمات القرآن)
ألا يُعد كل ذلك اعترافاً صريحاً من هؤلاء الأئمة بورود
الغريب فى القرآن؟
بالإضافة إلى ذلك.. فإن جميع مفسرى القرآن قاموا بشرح ما
رأوه غريباً فى القرآن.. فكيف يسوغ القول بإنكار وجود الغريب فى القرآن أمام هذه
الحقائق التى لا تغيب عن أحد؟
وإن أردت أمثلة على ذلك.. ففي القرآن مثلا هذه الكلمات
(فاكهةً وأبًّا، غسلين، حنانا، أوَّاه، الرقيم، كلالة، مبلسون، أخبتوا، حنين،
حصحص، يتفيؤا، سربا، المسجور، قمطرير، عسعس، سجيل، الناقور، فاقرة، استبرق،
مدهامتان.. وغيرها من الألفاظ الغريبة المخالفة لما تقتضيه البلاغة من يسر الألفاظ
وقربها.
قال: الغريب غريبان، غريب مطلق، وهو ما كان غريبا في
تركيبه، وهو الذى يعد عيباً فى الكلام، وإذا وجد فيه سلب عنه وصف الفصاحة
والبلاغة.. ولا وجود لهذا النوع فى القرآن.
ومنه غريب نسبي، وهو ما اختلف الناس في التعرف عليه بحسب
مستوياتهم اللغوية.. ألا ترى أن ألفاظا كثيرة هي ألفاظ سلسة طبيعية عند الأدباء أو
الشعراء.. ولكنها قد تكون غريبة على من لم يحترف حرفتتهم، ولم يتعلم علومهم؟
بل إن هذا النوع من الغريب لا يخلو منه أحد من الناس،
فاللغة واسعة، وكل كلمة جديدة على الذهن تبدأ غربية، ثم تزول غرابتها بالإدمان على
استعمالها.
ولتفسير هذا النوع من الكلمات جاءت
المؤلفات التي ذكرتها مما يسمى بـ (غريب القرآن )، وأول مؤلف وضع فى ذلك هو كتاب
(غريب القرآن) لابن قتيبة فى القرن الثالث الهجرى، وكونه