قال: هذا مما يدلك على قوة لغة
القرآن لا على ضعفها.
قلت: كيف ذلك.. وقد استعمل غريبا لا يعرفه هؤلاء العرب
الخلص.
قال: لقد احتوى القرآن على معان كثيرة جليلة لا تستطيع
الوفاء بها الكلمات القليلة التي يتداولها الناس فيما بينهم، فلذلك لم يكتف بها،
بل استعمل خزان العربية الثري، لينهل منه الألفاظ الدالة على المعاني بدقة.
وإن شئت دليلا على هذا.. فاذهب إلى القواميس الخاصة
بالمصطلحات المرتبطة بكل فن من الفنون.. فأنت تجد في كل يوم مصطلحات جديدة للدلالة
على المعاني الجديدة.
قلت: وما علاقة ذلك بالقرآن؟
قال: لقد جاء القرآن بعلوم كثيرة، ومواضيع كثيرة لم تعهدها
العرب في كلامها، فلذلك اختار التعابير المناسبة لتلك المعارف العميقة..
بل إنه لم يكتف بذلك.. بل وضع مصطلحات دالة على هذه
المعاني.. كالصلاة والزكاة والذكر.. ومثلها كثير من المصطلحات لا نجدها إلا في
القرآن.. ولكنا نجد أصولا لها في اللغة العربي.
وهذا ما فسره ابن عباس لذلك الرجل..
فالقرآن لم يبتدع ألفاظا لا يعرفها أحد من الناس، وإنما
استعمل ما يعرفه الناس ليعبر عن المعاني التي يريد.
وفي هذا يدخل ما ذكرته من الكلمات التي تصورت غرابتها
ككلمة (غسلين) التي تعني الصديد، أى صديد أهل النار، وما يسيل من أجسادهم من أثر
الحريق، ولما كان يسيل من كل أجسامهم شبه بالماء الذى يُغسَل به الأدران.
فهذه الكلمة تدل على معنى غير موجود في لغة العرب.. ولكن
القرآن استخدم اللفظ القريب المؤدي للمعنى.