تبقى بعد اختلاط أجسادنا بالتراب.. ونعلم كذلك أن هذه الروح من أمر
الله:﴿ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} (الاسراء:85)
إن الله يخاطبنا في هذه الآية بالمنطق العقلي.. فالعالم لن يكون عالما حتى
يعلم أنه لم يؤت من العلم إلا قليلا.. بل لولا هذا العلم ما استمر العلماء في
الوجود والاستمرار.
الجاهل فقط هو الذي يتصور الأشياء من زاوية واحدة.. أما العالم فيعلم أن
الكون أعمق من أن يحده بتصوراته المحدودة.
دعنا من هذا.. ولنتحدث عن شيء آخر.. العقل السليم يعتبره من الأدلة المنطقية
على امتداد الحياة.
إن الحياة ـ في منطق الكون، وفي منطقنا نحن المؤمنين ـ ليست غدوا ورواحا فقط
كما صورها فيلسوفكم (نيتشه)، والتي تمتلئ وتخلو كالساعة، ولا هدف لها أكثر من ذلك.
إن الحياة (الآخرة) ذات هدف عظيم هو المجازاة علي أعمال الدنيا، خيرا أو
شرا، سواء كان نية أو قولا أو فعلا.
لم يملك صديقنا الفلكي إلا أن يتدخل هنا، فراح يقول: نعم.. إن كل ما تذكره
من هذا صحيح.. والعلم الآن يسير نحو إثبات هذا.
فأعمال كل إنسان تحفظ وتسجل بصفة دائمة، وبغير توقف، بأبعادها الثلاثة، من
النية، والقول، والعمل.
فهذه الأبعاد الثلاثة تسجل بأكملها، فكل حرف يخرج من لساننا، وكل عمل يصدر
عن أي عضو من أعضائنا يسجل في الأثير؛ ويمكن عرضه في أي وقت من الأوقات بكل
تفاصيله، لنعرف- إذا شئنا- كل ما قاله أو فعله أي إنسان في هذه الحياة.
إن الأفكار تخطر علي بالنا، وسرعان ما ننساها، ويبدو لنا أنها انتهت، فلم
يعد لها وجود ولكنا، بعد فترة طويلة، نراها رؤى خلال النوم، أو نذهب نتكلم عنها في
حالات الهستريا أو