سواء استعملنا اللسان في إبلاغ رسالة الحق، أو استعملناه في إبلاغ رسالة
الشيطان، كل ذلك يحفظ في سجل كامل، قال تعالى:﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ
إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (قّ:18)، وهذا السجل سوف يعرض أمام محكمة ليتم
حساب الإنسان.
الفلكي: إن إمكان وقوع هذا لا ينافي العلم الحديث، فنحن نعرف قطعا أن أحدا
عندما يحرك لسانه ليتكلم، يحرك بالتالي موجات في الهواء، كالتي توجد في الماء
الساكن عندما نرمي فيه بقطعة من الحجر.
ثم إن آلاف المحطات الفضائية في العالم تذيع برامج كثيرة ليل نهار، وتمر
موجات هذه البرامج في الفضاء، بسرعة 186.000 ميلا في الثانية، وكان من المعقول جدا
عندما نفتح المذياع أن نسمع خليطا هائلا من الأصوات لا نفهم منه شيئا، ولكن هذا لا
يحدث، لأن جميع محطات الإذاعة ترسل برامجها على موجات يختلف طولها، فمنها ما يرسل
برامجه علي موجات طويلة؛ ومنها ما يرسل موجات قصيرة، ومتوسطة.
وهكذا تمر هذه البرامج في الفضاء بموجات مختلفة طولا، فتستطيع أن تسمع أية
موجة من المذياع، بمجرد أن تدير عقربه إلي المكان المطلوب.
إن علماءنا لم ينجحوا في اختراع آلة تفرق بين أصوات الزمن القديم، ولولا ذلك
لكنا قد سمعنا تاريخ كل عصر وزمان بأصواته، وبناء على هذا يثبت إمكان سماع الأصوات
القديمة في المستقبل، فيما لو نجحنا في اختراع الآلة المطلوبة؛ ومن ثم لا تبقي
نظرية الآخرة بعيدة عن القياس، وهي القائلة بأن كل ما ينطق به الإنسان يسجل، وهو
محاسب عليه يوم الحساب.
إن مناقشتنا لجوانب المسألة لا تنفي وجود مسجلين غير مرئيين، ينقشون علي
صفحة الفضاء كل ما ننطق به من الكلام، وهو ما يصدق قول الله تعالى:﴿ مَا
يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (قّ:18)
داروين: لم يبق لك إلا أن تبرهن لنا على حفظ العلم كما برهنت على حفظ النية
والقول..