قال الرجل: هل أعجبتك الشمس، وهي تنحني مودعة ابنتها الأرض؟
قلت: أجل.. هو منظر يوحي إلي بالكثير.. كل مرة أرى أشياء جديدة.. وأسمع
أشياء جديد من همساتها لي، وهمسات ما تراه من جمال.
قال: ألم تهمس إليك هذه المناظر الجميلة الدقيقة المتقنة شيئا عن مبدعها؟
قلت: بلى.. لقد همست لي.. بل جهرت..
قال: ألم تذكر لك عن علم مبدعها ولطفه وخبرته؟
قلت: بلى.. وقد كانت الساعة تحدثني عن هذه المعاني.
قال: لقد سمعتها بحسك الشفاف تنطق بهذا.. ولكن هل غيرك يسمعها، وهي تتحدث؟
قلت: بعضهم يسمع.. والكثير ربما لا يسمع.
قال: ألا يحتاجون تنبيها ينبه أسماعهم إلى سماعها؟
قلت: من أي نوع هذا التنبيه؟
قال: ألا ترى الرسام المبدع الذي ظل الليالي الطوال مع ريشته ولوحاته، كيف
يتعامل مع المتفرجين في معرض لوحاته؟
قلت: أجل.. إني أراهم يطوفون عليهم ليروهم ما في لوحاتهم من نواحي الجمال
والرمزية التي قد لا ينتبهون لها.
قال: تلك لوحات بسيطة لم تستغرق منهم إلا تحريك فرشاتهم ليرسموا بعض ما حبى
الله الطبيعة من جمال، فكيف لا ينبه مبدع الطبيعة المتفرجين على ما فيها من جمال؟
قلت: هو نبههم بما وضع في عقولهم وأذواقهم من حب للجمال.. وما وضع في
مداركهم من وسائل للإحساس به.
قال: ولكن الغفلة قد تعتريهم.. أو أن مداركهم قد لا تمتد لبعض ما في الطبيعة
من جمال..