وأما من بين أصابعه الشريفة، فقد
بلغ من الكثرة ما وصل به حد التواتر [1]، وسأذكر لكم منه ما تقر به
أعنيكم، وتعلمون أن من قدر على هذا يستحيل أن يكون مدعيا، فبركات الله لا تتنزل
إلا على الصادقين من عباد الله:
فمما روي من ذلك ما حدث به أنس، قال: كان رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بالزوراء، وحانت صلاة العصر، والتمس
الناس الوضوء فلم يجدوا ماء، فأتى رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بوضوء، فوضع رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم يده في ذلك الاناء، فحين بسط يده فيه
فضم أصابعه فأمر الناس أن يتوضأوا منه، فرأيت الماء ينبع من بين أصابع النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم فتوضأوا من عند آخرهم.
قال قتادة: قلت
لانس: كم كنتم؟ قال: كنا زهاء ثلثمائة[2].
ومن ذلك ما حدث به عبد الله بن مسعود قال: بينما نحن عند
رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم ليس معنا ماء، فقال:
اطلبوا من معه فضل ماء، فأتى بماء فوضعه في إناء، فوضع يده فيه، فجعل الماء يجري ـ
وفي لفظ يخرج من بين أصابعه ـ ثم قال: (حي على الطهور المبارك، البركة من الله)
فتوضأوا وشربوا، قال عبد الله: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل)[3]
ومن ذلك ما حدث به أنس أن رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم خرج ذات يوم لبعض مخارجه، معه ناس من أصحابه،
فانطلقوا يسيرون، فحضرت الصلاة فلم يجد القوم ماء يتوضئون به، فقالوا: يا
[1] قال القرطبي: قصة نبع الماء من بين أصابعه r تكررت منه في عدة مواطن في
مشاهد عظيمة، ووردت عنه من طرق كثيرة يفيد عمومها العلم القطعي المستفاد من
التواتر المعنوي، قال: ولم يسمع بمثل هذه المعجزة العظيمة من غير نبينا r حيث نبع الماء من بين عظمه
وعصبه ولحمه ودمه.
ونقل ابن عبد البر عن المزني أنه
قال: نبع الماء من بين أصابع النبي r أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى r بالعصا فتفجرت منه المياه،
لان خروج الماء من الحجارة معهود، بخلاف خروجه من بين اللحم والدم.