ومما يروى في ذلك إخباره a بأن الأرضة أكلت الصحيفة الظالمة التي
كتبتها قريش، فقد روي أن المشركين اشتدوا على المسلمين كأشد ما كانوا حتى بلغ
المسلمين الجهد، واشتد عليهم البلاء، حين هاجر المسلمون الى النجاشي وبلغهم كرمه
اياهم، وأجمعت قريش أن يقتلوا رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم علانية، فلما رأى أبو طالب عمل القوم جمع بني عبد المطلب، وأمرهم أن
يدخلوا رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم شعبهم ويمنعوه ممن أرادوا قتله،
فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم، فلما عرفت قريش أن القوم منعوا رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم فأجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ولا
يبايعوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، حتى يسلموا رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم للقتل وكتبوا صحيفة وعهودا ومواثيق، لا
يقبلوا من بني هاشم أبدا صلحا حتى يسلموه للقتل.
فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث
سنين، واشتد عليهم البلاء والجهد ـ وفي لفظ: فحصروا بني هاشم في شعب ابي طالب ليلة
هلال المحرم سنة سبع من نبوة رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم ـ، فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من بني عبد مناف ومن بني قصي
ورجال سواهم من قريش قد ولدتهم نساء من بني هاشم، ورأوا أنهم قد قطعوا الرحم،
وأجمعوا أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه.
وبعث الله تعالى على صحيفهم
الأرضة، فأكلت كل ما كان فيها من عهد وميثاق، وكانت معلقة في سقف البيت، فلحست كل
ما كان فيها من عهد وميثاق، فلم تترك فيها اسما لله الا لحسته، وبقي ما كان فيها
من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم.
ثم أطلع الله تعالى رسوله على
أمر صحيفتهم، وأن الارضة قد أكلت ما فيها من جور وظلم وبغي، وبقي ما كان فيها من
ذكر الله تعالى، فذكر ذلك رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم لأبي طالب، فقال أبو طالب: لا والثواقب، ما كذبني، فانطلق يمشي
بعصابة من بني عبد المطلب حتى أتى المسجد، وهو حافل من قريش، فلما رأوهم عامرين
بجماعتهم انكروا