فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه، وأجمعوا
لخلافه وعداوته إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام وهم قليل مستخفون.
وحدب على رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم أبو طالب، ومنعه وقام دونه، ومضى رسول
الله a على أمر الله مظهرا لأمره لا
يرده عنه شئ.
فلما رأت قريش أن رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم لا يعتبهم من شئ أنكروه عليه من فراقهم
وعيب آلهتهم، ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه ولم يسلمه لهم، مشى
رجال من أشرافهم إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طلب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب
ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا، فإما أن تكفه وإما أن تخلي بيننا وبينه، فإنك على
مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه.
فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا وردهم ردا
جميلا، فانصرفوا عنه.
ومضى رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو
إليه، ثم شري الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا وأكثرت قريش من ذكر
رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بينها فتذامروا فيه وحض بعضهم
بعضا عليه.
ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى
فقالوا له: يا أبا طالب إن لك سنا وإن لك شرفا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من
ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا
وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين، أو كما
قالوا له، ثم انصرفوا عنه.
وفي ذلك الموقف خاطب رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم عمه بقوله: (يا عم والله لو وضعوا الشمس
في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما
تركته)، ثم استعبر رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم.