وقد روي أن عقبة بن أبي معيط كان يجلس مع
رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بمكة ولا يؤذيه وكان رجلا
حليما، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام ـ
في رواية أنه أمية بن خلف ـ فقالت قريش: صبأ أبو معيط.
وقدم خليله من الشام ليلا، فقال لامرأته:
ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشد ما كان أمرا، فقال: ما فعل خليلي أبو معيط؟
فقالت: صبأ.
فبات بليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو
معيط، فحياه فلم يرد عليه التحية فقال: ما لك لا ترد علي تحيتي، فقال: كيف أرد
عليك تحيتك وقد صبأت؟
قال: أوقد فعلتها قريش؟
ثم قال: ما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟
قال: تأتيه في مجلسه، فتبزق في وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم، ففعل، فلم يزد
النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم أن مسح وجهه من البزاق[1].
وقد روي أن عقبة لما تفل في وجه النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم رجع ما خرج منه إلى وجهه، فصار برصا.
وقال أبي بن خلف: والله لأقتلن محمدا،
فبلغ ذلك رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
فقال: بل أنا أقتله إن شاء الله.
فلما بلغ أبيا ذلك أفزعه لأنهم لم يسمعوا
من النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم قولا إلا كان حقا، فلما كان يوم
بدر، وخرج أصحاب عقبة، أبي أن يخرج فقال له أصحابه: اخرج معنا، فقال: قد وعدني هذا
الرجل إن وجدني خارجا من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرا، فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك
فلو كانت الهزيمة طرت عليه.
فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين، وحل
به جمله في أخدود من الأرض فأخذه رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم أسيرا في سبعين من قريش وقدم إليه أبو
معيط فقال: أتقتلني بين هؤلاء؟ قال:
[1] رواه ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل
بسند صحيح.