فتقاصرت للأرض، فقلت: بلى يا رسول الله،
كراهية أن أقوم، قال: (قم)، فقمت، فقال: (إنه كائن في القوم خبر، فأتني بخبر القوم)
فقلت: والذي بعثك بالحق، ما قمت إلا حياء
منك من البرد، قال: (لا بأس عليك من حر ولا برد حتى ترجع إلي)
قال: وأنا من أشد الناس فزعا وأشدهم قرا،
فقلت: والله ما بي أن أقتل، ولكن أخشى أن أوسر، فقال: (إنك لن تؤسر)، قال: فخرجت،
فقال: (اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته)
قال: فوالله ما خلق الله تعالى في جوفي
فزعا ولا قرا إلا خرج، فما أجد فيه شيئا، فمضيت كأنما أمشي في حمام، فلما وليت،
دعاني فقال: (يا حذيفة، لا تحدثن في القوم شيئا حتى تأتيني)[1]
فقال حذيفة: فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر
القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد، وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح
خاصرته، وحوله عصبة، قد تفرق عنه الاحزاب، وهو يقول: الرحيل الرحيل.
ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك، فانتزعت
سهما من كنانتي أبيض الريش، فوضعته في كبد القوس لأرميه في ضوء النار، فذكرت قول
رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم: (لا تحدثن في القوم شيئا، حتى
تأتيني)، فأمسكت ورددت سهمي.
[1] وقد ورد في رواية أخرى
ذكر سبب هذا الإرسال، وهو التفريق بين الأحزاب، فقد ورد فيها: فقلت: يا رسول الله
مرني بما شئت، فقال r:« اذهب حتى تدخل بين ظهري القوم، فأت قريشا، فقل: يا معشر قريش، إنما
يريد الناس إذا كان غدا أن يقولوا: أين قريش؟ أين قادة الناس؟ أين رؤوس الناس؟
فيقدموكم، فتصلوا القتال فيكون القتل فيكم، ثم ائت بني كنانة فقل: يا معشر بني
كنانة، إنما يريد الناس إذ كان غدا أن يقولوا: أين بني كنانة؟ أين رماة الحدق
فيقدموكم، فتصلوا القتال، فيكون القتل فيكم، ثم ائت قيسا فقل: يا معشر قيس، إنما
يريد الناس إذا كان غدا أن يقولوا: أين قيس؟ أين أحلاس الخيل؟ أين الفرسان؟
فيقدموكم، فتصلوا القتال، فيكون القتل فيكم »