قال البلاذري: ثم إن الله تعالى نصر
المسلمين عليهم بالريح، وكانت ريحا صفراء فملأت عيونهم، فداخلهم الفشل والوهن
وانهزم المشركون، وانصرفوا إلى معسكرهم، ودامت عليهم الريح، وغشيتهم الملائكة تطمس
أبصارهم، فانصرفوا ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ
يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ
قَوِيّاً عَزِيزاً﴾ (الأحزاب:25)
وقد ذكر شاهد عيان ما رآه من فعل الريح
بهم، فعن حذيفة بن اليمان وقد قال له بعض جلسائه من التابعين: أما والله لو شهدنا
ذلك لكنا فعلنا وفعلنا[2]، فقال حذيفة: لا تتمنوا ذلك،
لقد رأيتنا ليلة الاحزاب ونحن صافون قعود، وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا،
وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة، ولا
أشد ريحا منها، وفي أصوات ريحها أمثال الصواعق، وهي ظلمة ما يرى أحدنا إصبعه، فجعل
المنافقون يستأذنون رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
ويقولون:﴿ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ﴾(الأحزاب:
13)، فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له، فيتسللون، ونحن ثلاثمائة أو نحو ذلك.
فاستقبلنا رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم رجلا رجلا، يقول: ألا رجل يأتيني بخبر
القوم يكون معي يوم القيامة ـ وفي لفظ: جعله الله رفيق إبراهيم يوم القيامة ـ فلم
يجبه منا أحد، ثم الثانية، ثم الثالثة مثله.
فقال أبو بكر: يا رسول الله ابعث حذيفة،
فقلت: دونك والله، فمر علي رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم وما علي جنة من العدو ولا من البرد إلا مرطا لامرأتي ما يجاوز
ركبتي، قال: فأتاني وأنا جاث على ركبتي فقال: (من هذا؟)، فقلت: حذيفة، قال رسول
الله a: (حذيفة)، قال حذيفة: