فتاب الله عليهم، وأما هذه الانهار
فأولها رحمة الله، والثاني نعمة الله، والثالث:﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ
شَرَاباً طَهُوراً﴾ (الانسان: 21)، وقيل له: هذا مكانك ومكان أمتك.
وإذا هو بأمته شطرين: شطر عليهم ثياب
كأنها القراطيس، وشطر عليه ثياب رمد، فدخل البيت المعمور، ودخل معه الآخرون الذين
عليهم الثياب البيض وحجب الآخرون الذين عليهم الثياب الرمد وهم على خير، فصلى ومن
معه من المؤمنين في البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون
إليه إلى يوم القيامة، آخر ما عليهم، ثم خرج ومن معه [1].
ثم رفع إلى سدرة المنتهى، وإليها ينتهي
ما يعرض من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط من فوق فيقبض منها، وإذا هي
شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من
عسل مصفى، يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها، وإذا نبقها مثل قلال هجر،
وإذا ورقها كآذان الفيلة، تكاد الورقة تغطي هذه الأمة، تغشاها ألوان لا يدري ما
هي، فلما غشيها من أمر الله تعالى ما غشيها تغيرت، فما يستطيع أحد أن ينعتها من
حسنها[2].
[1] وفي حديث عند الطبراني
بسند صحيح:« مررت ليلة أسري بي على الملأ الأعلى فإذا جبريل كالحلس البالي من خشية
الله »، وفي رواية عند البزار:« كأنه حلس لاطئ »، والحلس هو الكساء الذي بلي ظهر
البعير تحت القتب، شبهها به للزومها ودوامها.
[2] وفي رواية: فإذا في أصلها
عين تجري يقال لها السلسبيل، ينشق منها نهران: أحدهما الكوثر، يطرد عجاحا مثل
السهم، عليه خيام اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعليه طيور خضر أنعم طير، رأى فيه
آنية الذهب والفضة، تجري على رضراض من الياقوت والزمرد، ماؤه أشد بياضا من اللبن،
فأخذ من آنية، فاغترف من ذلك الماء، فشرب فإذا هو أحلى من العسل، وأشد ريحا من
المسك، فقاله جبريل: هذا هو النهر الذي حباك به ربك، والنهر الاخر نهر الرحمة
فاغتسل فيه، فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
وفي حديث عبد الله بن مسعود : أنه r رأى جبريل عند السدرة له
ستمائة جناح، جناح منها قد سد الافق، تتناثر من أجنحته التهاويل: الدر والياقوت
مما لا يعلمه إلا الله تعالى.