قال: ألم تر أولئك الذين شربوا
من خمرة الحب المدنس كيف انشغلوا عن لطائفهم وعن حياتهم وعن جميع ما وكل إليهم من
مسؤوليات؟
قلت: بلى.. لقد رأيتهم منشغلين
بذكر من أحبوهم.. فهم غائبون بهم عمن سواهم.
قال: الحياة لا تستقيم بذلك..
الحياة لا تستقيم إلا بالحضور.
قلت: لم أفهم مرادك من الحضور.
قال: لقد خلق الله الموازين..
فقال تعالى :﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا
تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا
تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)﴾(النجم)، وقال تعالى :﴿ لَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ
وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ
بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ
وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)﴾ (الحديد)
قلت: ما علاقة الموازين
بالحضور؟
قال: لقد خلق الله الحياة وكل
ما في الحياة لرسالة معينة.. ولا يمكن أن تستقيم الحياة إلا بأداء تلك الرسالة..
فلذلك كان كل شاغل عنها حجابا خطيرا يتدنس به الإنسان، وتتدنس به الحياة.
قلت: ولكن المحب لا يمكن أن يحب
إلا بعد أن يغيب في جمال محبوبه عن كل حضور.
قال: إلا محب الله.. فإن الله
لا يغيب.. وفي كل حركة من حركات العبد.. وفي كل سكنة من سكناته رسالة من الله
إليه.. والعبد المحب هو الذي يفك رموزها.. ليسير من خلالها إلى الله.