كل عصر أن ينفذوا ما أمر الله به من الشورى بالصورة التي
تناسب حالهم وأوضاعهم، وتلائم موقعهم من التطور، دون أي قيد يلزمهم بشكل جامد.
سكت قليلا، ثم قال: لقد شهد المنصفون من باحثي الغرب بهذه
الخاصية العظيمة من خواص هذا الدين.. فهذا توماس آرنولد يقول: ( وإن بساطة هذه
التعاليم ووضوحها لهي على وجه التحقيق؛ من أظهر القوى الفعالة في الدين وفي نشاط
الدعوة إلى الإسلام)
ويقول الدكتور (إيزيكو انسابا توحين) أحد علماء القانون: (
إن الإسلام يتمشى مع مقتضيات الحاجات الظاهرة فهو يستطيع أن يتطور دون أن يتضاءل
خلال القرون، ويبقى محتفظاً بكل ما لديه من قوة الحياة والمرونة، فهو الذي أعطى
العالم أرسخ الشرائع ثباتاً، وشريعته تفوق كثيرًا الشرائع الأوربية)
ويقول (دافيد دي سانتيلانا) : ( لما كان الشرع الإسلامي
يستهدف منفعة المجموع، فهو بجوهره شريعة تطورية غير جامدة خلافًا لشريعاتنا من بعض
الوجوه. ثم إنها علم ما دامت تعتمد على المنطق الجدلي.. وتستند إلى اللغة.. إنها
ليست جامدة، ولا تستند إلى مجرد العرف والعادة، ومدارسها الفقهية العظيمة تتفق
كلها على هذا الرأي. فيقول أتباع المذهب الحنفي أن القاعدة القانونية ليست بالشيء
الجامد الذي لا يقبل التغيير. إنها لا تشبه قواعد النحو والمنطق. ففيها يتمثل كل
ما يحدث في المجتمع بصورة عامة)[1]
العفو:
قلنا: عرفنا التجلي الأول.. فحدثنا عن الثاني.
قال: التجلي الثاني هو تلك المساحة الكبيرة التي عبر عنها
رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، فقال: ( ما أحل الله في كتابه
فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو ! فاقبلوا من الله عافيته،