من أجلها أرضى.. ولأجلها أسخط.. وفي سبيلها أضحي بكل شيء.
وقد استغل أباطرة الظلم والاستبداد هذه العبودية الاختيارية التي أوقعتني
فيها نفسي وشهواتي.. فراحوا يطلقون على عبوديتي هذه (حرية).. وراحوا يطالبونني
بعمل المزيد من أجل تحقيقها.. يطالبونني باستعمال كل الوسائل حتى لو كان القتل
والفتنة والفساد..
لقد كانت دعوى الحرّية من أهم شعارات الثورة الفرنسية..
وأعقبتها ثورات أُخرى كثيرة قامت لتصارع من أجل صورة الحرّية التي توهمتها،
وتعاقبت الثورات في تاريخ الإنسان حتى يومنا هذا.. ولكن الإنسان في الأرض اليوم ما
زال يفقد الحرية الحقيقية، وما زال يجاهد من أجل السراب.
لقد فشلت معظم هذه الجهود لأَنها لم تطلب الحرّية بصورتها
المتكاملة، وميزانها العادل، فاضطربت المقاييس وامتد الصراع.
لقد قامت الشيوعية تدعو إلى حقوق الطبقة العاملة وحرّيتهم
وإنقاذهم من المجرمين الظالمين في الرأسمالية.. فماذا كانت النتيجة؟.. لم ينل
العمال حقوقهم ولا حرّيتهم، ولم تحترم أدنى درجات الإنسانية.. ولكن الشيوعية
وأحزابها في صراعها مع الرأسمالية استبدلت بمجرمي الرأسمالية مجرمين اشتراكيين
وشيوعيين.. استبدلت بالظالمين ظالمين جدداً.. فأفنت الملايين من البشر في ظلمات فوقها
ظلمات.
وهكذا قامت شعوب كثيرة تطالب بحريتها.. فمن فشلت جهودهم من
هذه الشعوب سُحِقوا تحت شعار الحرية والعدالة، ومن نجحت جهودهم أقاموا لوناً آخر
من الظلم والفساد في الأرض، ولوناً آخر من العدوان والنهب.
كلٌّ يدّعي الحرّية، وكل يصوغها على نمط مصالحه المادية
وشهواته المتفلتة.. فالديمقراطية حين أطلقت الحرية الفردية دون ضوابط أَغرقتها في
أوحال الحرية الجنسية الملوّثة وأوحال الجريمة، لا توقفها مسؤولية في الدنيا ولا
رهبة من الآخرة.. وعندما يطلقون