حرية الدين كما يزعمون فإنهم في حقيقة أَمرهم يقتلون الحرية
ويدفنونها.. ذلك لأنهم خدَّروا الناس بالشهوة والمصالح والجري اللاهث وراء الدنيا،
فجرَّدوا الإنسان بذلك من جوهر قوته التي يفكر بها حرّاً طليقا.. جرّدوه من سلامة
الفطرة التي لوَّثتها المعصية وأَحاطت بها الجريمة وخنقتها الأهواء والشهوات
الثائرة.
ولم يكتفوا بذلك، بل صاغوا له القوانين التي تدفعه إلى
الانحراف دفعاً، وهيأوا له من وسائل الإعلام ما يجعل الشهوة ناراً يلتهب بها دمه،
ثمَّ حبسوا الدين في الكنائس، لا يخرج للناس منه إلا ظنون وأَوهام، وأَحقاد
وعصبيات، لا علم معها ولا بحث عن الحقّ ولا دراسة ولا تَقَصٍّ.. حبسوا الدين في
الكنائس لا يخرج منها إلا للدعاية التي تحتاجها المصالح الشخصية المتصارعة، أو
لإطلاق حركات التنصير خارج بلادهم لتكون مُمهِّدة للجيوش الزاحفة بظلمها وعدوانها.
سكت قليلا، ثم قال: لا شك أنكم ترون الإنسان الآن ـ في ظل
هذه الحضارة الآبقة ـ كيف صار مسحوقا ومخدَّرا.. كل العلوم الحديثة والصناعة
تحوّلت إلى أَدوات تسحق الإنسان وتُخدِّر فيه إحساسه وقواه..
إن الديمقراطية والرأسمالية والشيوعية والعلمانية والحداثة
لم تفقد جوهر الحرية وحقيقتها فحسب، بل إنها فقدت معها الأمن والعدل والكرامة
الإنسانية وهبطت به أسفل سافلين.. إنها أفقدت الناس حقيقة الإيمان والتوحيد
اللذيْن هما أساس حياة الإنسان وأساس مستقبله في الدنيا والآخرة.
قال رجل منا: حدثنا عن الحرية التي جاء بها الإسلام.. فما
ذكرته من المظالم نراه بأعيننا، ولا نحتاج لتشرحه لنا.
قال عمار: لقد أسس الإسلام الحرية الحقيقية.. وقد بدأ تأسيسه
للحرية بتحريره للفكر الإنساني.. فلا يمكن للحياة أن تستقيم بالأفكار الممتلئة
بالقيود.