قال: لقد رحت أبحث في سير الرجال.. فوجدت هذا الرجل البسيط
المتواضع الممتلئ بالحطة.. ولكنه في نفس الوقت استطاع أن يقف أمام طاغية كبير،
ويلقنه من الدروس ما لم تجسر جميع بلعميات الأرض أن تلقنه إياه.
لقد حدث المؤرخون أن زبانية الحجاج جاءوه بحطيط الزيات، فلما
دخل عليه قال: أنت حطيط؟ فقال حطيط: نعم.. سل عمّا بدا لك، فاني عاهدت الله عند
المقام على ثلاث خصال: إن سئلت لأصدقن، وإن ابتليت لأصبرن، وإن عوفيت لأشكرن..
فقال الحجاج: فما تقول فيّ؟.. قال حطيط: أقول فيك أنك من أعداء الله في الأرض
تنتهك المحارم وتقتل بالظنة.. قال: فما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان؟..
قال حطيط: أقول إنه أعظم جرما منك، وانما أنت خطيئة من خطاياه..
فأمر الحجاج أن يضعوا عليه العذاب، فانتهى به العذاب الى أن
شقق له القصب، ثم جعلوه على لحمه وشدوه بالحبال، ثم جعلوا يمدون قصبة قصبة، حتى
انتحلوا لحمه، فما سمعوه يقول شيئا، فقيل للحجاج: إنه في آخر رمق، فقال: أخرجوه،
فارموا به في السوق.
قال الراوي: فأتيته أنا وصاحب له، فقلنا له: يا حطيط ألك
حاجة؟ فقال: شربة ماء، فأتوه بشربة، ثم استشهد، وكان عمره ثماني عشرة سنة[1].
هذا كل ما رواه التاريخ عن حطيط.. ولكن هذا بالنسبة لي يكفي
عن آلاف المجلدات من الدجل، وآلاف المجلدات من أخبار الدجالين.
لقد وجدت أن موقفا واحدا مثل هذا الوقف قد يزعزع الأرض من
تحت أقدام