قال: لقد ذكر فقهاؤنا العدول عذرين للدخول على هؤلاء:
أما أولهما، فأن يكون من جهتهم أمر إلزام لا أمر إكرام، وعلم
أنه لو امتنع أوذي أو فسد عليهم طاعة الرعية واضطرب عليهم أمر السياسة، فيجب عليه
الإجابة لا طاعة لهم، بل مراعاة لمصلحة الخلق حتى لا تضطرب الولاية.
وأما الثانية، فأن يدخل عليهم في دفع ظلم عن الرعية أو عن
نفسه، إما بطريق الحسبة أو بطريق التظلم، فذلك رخصة بشرط أن لا يكذب ولا يثني ولا
يدع نصيحة يتوقع لها قبولاً فهذا حكم الدخول[1].
قلنا: عرفنا التضحية بالجاه.. فما التضحية بالمال؟
قال: أن لا يقبل منهم ما زاد على ما تتطلبه وظيفته من أجر..
وإن استطاع أن يستغني كان أولى..
قلنا: عرفنا التضحية بالجاه والمال، فهل هناك غيرهما؟
قال: أجل.. أن يقدم نفسه رخيصة في سبيل الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر.. لا يبالي من أجل ذلك بشيء.
قلنا: لقد ذكرت لنا ذلك في مواعظ العلماء للسلاطين.
قال: العالم لا يكتفي بالمواعظ التي يواجه بها السلطان.. بل
ينكر آحاد المنكرات لا يبالي في ذلك هل رضي السلطان أم سخط.
قال أحدنا: لقد سمعنا بأن السلطان مطاع، وأنه ظل الله في
أرضه.. وأن من تكلم بما يسيئه صار من الخوارج الذين هم كلاب أهل النار.
قال: السلطان مطاع إن أطاع الله.. فإن عصى الله فلا ينبغي
طاعته..