ومن ذلك أن الإمام أبا حامد الغزالي كتب رسالة في أصول العدل
لبعض الملوك[1].. ومن وصاياه فيها قوله : (
اعلم ـ أيها السلطان ـ أنّ ما كان بينك وبين الخالق سبحانه فإن عفوه قريب، وأما ما
يتعلق بمظالم الناس فإنه لا يتجاوز به عنك على كل حال يوم القيامة وخطره عظيم ولا
يسلم من هذا الخطر أحد من الملوك إلا ملك عمل بالعدل والإنصاف ليعلم كيف يطلب
العدل والإنصاف يوم القيامة)
ولم يكتف أبو حامد بالموعظة المجردة.. بل ذكر له عشرة من
أصول العدل والإنصاف كلها مستنبطة من النصوص المقدسة، ومن آثار الحكام العدول من
المسلمين.. وكلها تدل على المنهج الصحيح الذي يتحقق به النصح الذي أمر الحكام أن
يتعاملوا به مع رعاياهم.
قلنا: فما الأصل الأول منها؟
قال: لقد عبر عنه الغزالي بقوله : (الأصل الأول هو أن يعرف
الحاكم قدر الولاية وخطرها.. فإن الولاية نعمة من نعم الله عز وجل، من قام بحقّها
نال من السعادة ما لا نهاية له ولا سعادة بعده، ومن قصّر عن النهوض بحقها حصل في
شقاوة لا شقاوة بعدها إلا الكفر بالله تعالى)
وقد ساق له من النصوص التي تدل على هذا قوله a : (عدل السلطان يوماً واحداً أحب إلى
الله من عبادة سبعين سنة ).. وقال:(أحب الناس إلى الله تعالى وأقربهم إليه السلطان
العادل، وأبغضهم إليه وأبعدهم منه السلطان الجائر).. وقال (والذي نفس محمد بيده
إنه ليرفع للسلطان العادل إلى السماء من العمل مثل عمل جملة الرعية، وكل صلاة
يصلّيها تعدل سبعين ألف صلاة).
فإذا كان كذلك فلا نعمة أجلّ من أن يعطى العبد درجة السلطنة
ويجعل ساعة من عمره