قال الرجل: ومع ذلك يظل ما قاله الشيوعيون سليما، ولم يوجد
من دعا إلى هذه المثل كدعوتهم.
قال النفس الزكية: ليس الشأن في الدعوة للمثل.. ولكن الشأن
في أن نعيش المثل.. فهل طبق الشيوعيون ما دعوا إليه؟
سكت الرجل، فقال النفس الزكية: لقد أثبت التطبيق العملي[1] في البلدان الاشتراكية نفسها أن
إزالة الملكية الخاصة، وتأميم وسائل الإنتاج، لم يقض على التركيب الطبقي، إذ أن
تركيباً طبقياً من نوع آخر قد برز إلى الوجود على أساس آخر، كان ذلك التركيب هو
(الجهاز الحزبي والسياسي).
لقد كان هذا التركيب يتمتع بالإمكانيات والصلاحيات التي تفوق
سائر الإمكانيات التي حصلت عليها أكثر الطبقات على مر التاريخ.. فقد كسب رجال
الحزب الشيوعي سلطة مطلقة على جميع الممتلكات ووسائل الإنتاج المؤممة في البلاد،
كما كسبوا مركزاً سياسياً يتيح لهم الانتفاع بتلك الممتلكات، والتصرف بها تبعاً
لمصالحهم الخاصة. وتمتد امتيازاتهم من إدارة الدولة والمؤسسات الصناعية ووسائل
الإنتاج إلى كل نواحي الحياة، كما تنعكس أيضاً في التناقضات الشديدة بين أجور
العمال ورواتبهم الضخمة.
ولذلك، فإن صراعاً من نوع آخر قد برز إلى الوجود بين الطبقات
البديلة ذاتها، صراعاً يفوق إلى حدٍ كبير العنف الذي عرفته الماركسية لأشكال
التناقض الطبقي في التاريخ.
وعلى سبيل المثال، فقد شملت عمليات التطهير تسعة وزراء من
أعضاء الوزارة الأحد عشر الذين كانوا يديرون دفة الحكم في الاتحاد السوفياتي عام
1936، واكتسحت ثلاثة وأربعين أميناً من أمناء سر منظمة الحزب المركزية الذين كان
يبلغ عددهم ثلاثة وخمسين أميناً،
[1] انظر: الإسلام بين كينز
وماركس وحقوق الإنسان في الإسلام، الدكتورة نعيمة شومان.