وبناء على هذا، لا غرابة أن ينفق الإنسان عبد الله بعض ما
رزقه الله في سبيل الله، وإعلاء كلمة الله، وعلى إخوانه عباد الله، قيامًا للواهب
المنعم بحق الشكر على نعمائه، ومن أجل هذا يخاطبنا الله في كتابه بقوله تعالى :﴿ أَنْفِقُوا
مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ (البقرة: 254)، ويقرر أن المال مال الله، والإنسان ما هو إلا مستخلف
فيه، أو موظف مؤتمن على تنميته وإنفاقه، والانتفاع والنفع به، فيقول :﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي
آتَاكُمْ ﴾ (النور: 33)، ويقول :﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ
شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ
مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) ﴾ (آل عمران) ليذكرهم بهذه الحقيقة: أن
المال رزق من عند الله آتاهم من فضله، ويقول:﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ
مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ
كَبِيرٌ (7)﴾
(الحديد)..
فالإنسان ليس مالك المال في الحقيقة، ولكنه خليفة المالك - وهو الله تعالى- ووكيله
فيه.
وليست ثمرة العلم بأن المال مال الله، والإنسان فيه بمنزلة
النائب أو الوكيل، مقصور على تهوين البذل والإنفاق عليه، حيث ينفق من مال غيره وقد
أذن له فيه، بل يفيد العلم بهذه الحقيقة أيضًا أن يتقيد الإنسان بمشيئة المالك
الحقيقي للمال، فإن الوكيل ما هو إلا ممثل لإرادة الموكل، ومنفذ لما يطلبه، وليس
له حق الانفراد بالتصرف حسبما يهوى ويشتهي، وإلا بطلت وكالته، ولم يعد جديرًا بحق
الاستخلاف الذي أساء استعماله.
قلنا: وعينا هذا.. فما النظرية الثالثة؟
قال: نظرية التكافل بين الفرد والمجتمع.. فمن المقرر لدى
فلاسفة الاجتماع أن الإنسان مدني بطبعه، وأنه لا يستطيع أن يحيا حياة إنسانية حقة
إلا في ظل مجتمع.. ومن المقرر كذلك أن الفرد مدين للمجتمع بكثير من معارفه وخبراته
وفضائله، فإن الفرد - في بداية حياته - لا يمكنه أن يعيش ويحيا بغير عون المجتمع،
فهو الذي يضمن له الحياة والبقاء، ولولاه لمات في مهده، والمجتمع هو الذي يقوم
بتلقين الفرد مظاهر الحضارات والثقافة المختلفة وقواعد